أصدر سفير شؤون منتدى التعاون الصيني العربي في وزارة الخارجية الصينية السفير لي تشنغ ون مقالة بعنوان "تقدم العالم إلى الأمام محتوم" في صحيفة الجمهورية، والنص كما يلي:
في وجه الوباء غير المسبوق الناجم عن فيروس كورونا المستجد، يُجمع الجميع تقريبا على أن الوباء سيفرضتغيرات غير مسبوقة على العالم، ولن يعود العالم ما بعد الوباء إلى ما كان عليه. لكن ليس هناك الإجماع على طبيعة هذه التغيرات وإلى أين سيذهب العالم.
إن الإنسان صناع التاريخ، فطريقة تعامله مع الوباء اليوم سيحدد مستقبل العالم. منذ اندلاع الوباء، وقفت شعوب العالم جنبا إلى جنب بالتعاطف والتضامن، وأظهرت كل العزم والحزم لتحقيق الكسب المشترك من خلال التعاون وروح المستقبل المشترك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توالت التصرفات الأحادية والعنصرية الرامية لتصدير الأزمة والتنصل من المسؤولية. يقف تاريخ البشرية عند مفترق الطرق، فتحتاج شعوب العالم للحكمة لاختيار مستقبل العالم.
يجب ألا يتغير التوافق الدولي بشأن التعاون في مكافحة الوباء، لأن الفيروس لا يعرف الحدود والأعراق، فمواجهته تحتاج أكثر إلى التضامن والتعاون، بدلا من الانقسام والتنصل من المسؤولية، بل تتطلب بشدة عدم ربط الفيروس بدول معينة وتسييس أعمال الوقاية والسيطرة ووصم دول معينة، الأمر الذي سيشكل ضمانا لاستعادة الثقة والتعاون والتنمية في المرحلة ما بعد الوباء. من غير المفهوم أن تعلن الدولة المعينة عن تعليق التمويل لمنظمة الصحة العالمية في اللحظة المفصلية التي يكافح العالم فيها فيروس كورونا، وتنشغل بإحجام المنظمة عن لعب الدور الحاسم في مكافحة الوباء، وينهمك بعض الساسة في تشويه واتهام الدول الأخرى بطرح المزاعم مثل "الخطيئة الأصلية للصين" و"مماطلة الصين" و"الأهداف الخفية للمساعدات الصينية"، وذلك لا يسهم في تركيز الجهود على مكافحة الوباء في بلادهم، بل سيؤدي إلى انقسام المجتمع الدولي وهدر الموارد الشحيحة أصلا في العالم لمكافحة الوباء، حتى يمس بمصلحة جميع الدول في نهاية المطاف.
بعد اندلاع الوباء، ظلت الحكومة الصينية تلتزم بموقف منفتح وشفاف ومسؤول، وأبلغت منظمة الصحة العالمية بالوباء في اللحظة الأولى، وتقاسمت التسلسل الجيني للفيروس مع كافة الدول في اللحظة الأولى وبدأت التعاون الدولي في مكافحة الوباء في اللحظة الأولى ومدت يد العون إلى الدول الأخرى في اللحظة الأولى. في ظل انتشار الوباء، يجب احترام العلم والحقيقة والحكم المعترف به دوليا، وسيقوم التاريخ بالتقييم الموضوعي والعادل لجهود كافة الأطراف في مكافحة الوباء.
يجب ألا تتغير روح الإنسانية في السراء والضراء. يعد الوباء اختبارا لضمير الإنسان. كانت شعوب العالم تتبادل التعاطف والدعم في وجه الكوارث الخطيرة في الماضي، وتظهر روح الإنسانية النبيلة. يلتزم الشعب الصيني منذ قدم بثوابته وهو لن يقف مكتوف الأيدي وصديقه في وقت الضيق، ولن يرفق المساعدات بالأهداف الخفية. بهذه الثوابت بالذات، قدمت الصين حكومة وشعبا دفعات من المستلزمات الطبية التي تحتاج إليها أكثر من 140 دولة ومنظمة دولية بشكل ملح، وأرسلت فرق الخبراء إلى الدول العديدة وتقاسمت مع كافة الدول خبرات الوقاية والسيطرة والتشخيص والعلاج بدون أي تحفظ، وفتحت المركز الإلكتروني للمعرفة عن الوقاية والسيطرة المتاح لجميع الدول، قمنا بكل ذلك من أجل الرد على مساعدات شعوب العالم للصين وكذلك للتمسك بثوابتنا التقليدية. إن ما كرّسه الشعب الصيني وشعوب العالم من روح الإنسانية ومفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية المفتاح لهزيمة الوباء، ويجب أن يصبح ثروة ثمينة تستحق إعلاءه أثناء وبعد المعركة ضد الوباء.
لن يتغير الاتجاه العام للبشرية الساعي وراء المستقبل الجميل. تسبب الوباء بخسائر فادحة والتأثير العميق على سلامة وصحة الشعوب والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة الدول، لكنه سينتهي في نهاية المطاف، وستستمر البشرية في مسيرتها إلى الأمام. يمثل بناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والرخاء المشترك والانفتاح والشمول والنظافة والجمال تطلعا مشتركا لشعوب كافة الدول ومسؤوليها المشتركة. إذا أراد العالم تحقيق السلام والتنمية بعد هذه الأزمة، فيحتاج إلى التعاون بدلا من الانقسام، وإلى الانفتاح والتواصل بدلا من العزلة والانغلاق، وإلى عولمة بدرجة أعلى وبصحة أكبر. في القمة الافتراضية الاستثنائية الأخيرة لقادة مجموعة الـ٢٠، طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة مهمة ذات أربع نقاط تتمثل في الخوض في المعركة العالمية الحاسمة ضد الوباء بكل حزم وإجراء التعاون الدولي والفعال في الوقاية والسيطرة والدعم الكامل لدور المنظمات الدولية وتعزيز التنسيق للسياسات الاقتصادية الكلية الدولية، الأمر الذي حدد الاتجاه للتعاون الدولي في مكافحة الوباء وأضفى قوة دافعة عليه.
لن تتغير التقاليد المتميزة للتعاون الودي بين الصين والدول العربية. بعد اندلاع الوباء، لم ينقطع يوما التواصل والتعاون بين الجانبين، بل ازدادت الصداقة الصينية العربية عمقا ومتانة خلال عملية مكافحة الوباء، حيث قام قادة الجانبين بالاتصالات الهاتفية لتشجيع بعضنا البعض، وقامت الحكومات بإرسال المساعدات والتعاون في الوقاية والسيطرة، وقام الخبراء الطبيون بعقد سلسلة من الاجتماعات الافتراضية الثنائية والمتعددة الأطراف وقامت الفرق الطبية الصينية بمكافحة الوباء في الدول العربية الموبوءة، تشكل كل هذه الجهود لوحة بانورامية رائعة للتعاون الصيني العربي ضد الوباء. رغم أن الصين ما زالت تواجه مهمة محلية شاقة في مكافحة الوباء، غير أن ذلك لم يمنعنا من تقديم المساعدات للدول العربية والتعاون معها قدر الإمكان. يعرف الصديق في وقت الضيق، إن الصداقة بين الصين والدول العربية التي تتجسد بجلاء في هذه الأزمة غير المسبوقة منذ مائة عام ليست إلا امتدادا للصداقة التاريخية بين الجانبين، وتبشر بأن العلاقات بين الجانبين سترتفع إلى مستوى أعلى بعد انتهاء الوباء.
للعودة إلى السؤال في البداية، يعد التضامن والتعاون أقوى سلاح لهزيمة الوباء الذي يهمّ سلامة شعوب دول الكافة، والنصر سيأتي بكل التأكيد. يجب على قاطني القرية الكونية التحلي بمزيد من التفاهم والتعاون أينما كانوا، بدلا من خلق مزيد من الحواجز والعداء. بالتضامن والتآزر فقط، يتحقق النصر مبكرا ويصبح المستقبل مفعما بالآمال.
المصدر: صحيفة الجمهورية