نشر باحثة المركز مقالة بعنوان "تعاون الشعبين الصيني العراقي في المعركة ضد كورونا" في صحيفة الصباح العراقية

الناشر:汪倩

تاريخ النشر:
2020-03-14

فهيمة تشن يويه يانغ

إن وباء الالتهاب الرئوي الناجم عن فايروس كورونا الجديد الذي لم يتوصل الإنسان إلى حقيقته حتى الآن قد أصاب أكثر من مئة دولة، بنسبة إجمالية تتخطى نصف دول العالم، وقد بلغت حالات الإصابة أكثر من مئة ألف حالة، كما بلغ عدد الوفيات أكثر من ثلاثة آلاف حالة وذلك بسبب  السرعة الفائقة لانتقال الفايروس.

إن انتشار الفايروس لا يفرق بين الدول، والدول العربية ليست استثناء من هذه القاعدة  فهذه الدول التي تقع في غربي آسيا وشمالي افريقيا تتميز بأنها ملاصقة ومجاورة لبعضها البعض، فكل دولة تتشابك حدودها مع عدة دول أخرى محيطة بها، ما ييسر حركة وانتقال المواطنين بين الدول، فمنذ نحو ثلاثة أسابيع انتقل الى الدول العربية بالتتابع بسبب تردي وخطورة الحالة الوبائية في إيران وهي الدولة الواقعة في منطقة الشرق الأوسط والمجاورة لعدد من الدول العربية سواء من جهة البر أو البحر، لذا  فإن معظم حالات الإصابة في الدول العربية التي قد تم تشخيصها كانوا قادمين من ايران، فحتى ٨ اذار الحالي  ظهرت أكثر من أربعمئة اصابة في كل من البحرين والكويت والعراق والإمارات والجزائر وعمان ولبنان وفلسطين ومصر وقطر والسعودية والمغرب واليمن وتونس والأردن اي  خمس عشرة دولة عربية، ومن بين تلك الدول كان العراق الذي تم تشخيص 54 حالة إصابة مؤكدة بها، بالإضافة إلى أربع حالات وفاة، ومقارنة  مع الدول العربية الأخرى فإن هذا العدد يقترب من عدد حالات الإصابة بالبحرين والكويت، وفي هذا الصدد اتخذت الحكومة العراقية عددا من التدابير الفعالة للوقاية من الفايروس مثل إنشاء وزارة الصحة والبيئة مركزا طبيا متخصصا لاستقبال الحالات المشتبه فيها داخل المدينة الطبية، وإصدار دليل لتوضيح طرق الوقاية من العدوى وتوزيعه بين المواطنين، وإغلاق المساجد وغيرها من أماكن ممارسة الأنشطة الدينية بمحافظة واسط بداية ثم في مناطق اخرى، والتعطيل المؤقت للدوام الرسمي في عدد من المحافظات، وإغلاق محافظة كربلاء لمدة أسبوع وكذلك مدينة النجف الاشرف،  كما طلبت الحكومة من مواطنيها الذين تقطعت بهم السبل في إيران العودة إلى بلدهم في أسرع وقت ممكن بالاضافة إلى ايقاف الأنشطة التجارية مع إيران والكويت عبر الموانئ البرية، وما إلى ذلك من التدابير التي تهدف إلى الحد من انتشار الفايروس.

تعاون الصين والعراق

العراق من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية  وشهدت العلاقات بين البلدين منذ إقامتها في 20 آب 1958 تطوراً ملموسا وسلساً، وتمتعت بآفاق مشرقة، فكلاهما لديه الرغبة الحقيقية للتعاون، وقد أعلن البلدان إقامة علاقات الشراكة الستراتيجية بينهما في عام 2015، وكانت تلك هي صفحة جديدة لتنمية الصداقة بين البلدين، مما زاد فرص التعاون بينهما، وبعد انتشار الفايروس في الصين، أعرب العراق حكومة وشعبًا عن دعمهما للصين  وعبرا عن بالغ تعازيهما للإصابات والوفيات.

بلغت الإصابات بالفايروس ذروة معدلاتها وانتشر الوباء انتشارا كبيرا في الصين قبل شهر، وفي ذلك الحين كونت جمعية الصداقة العراقية - الصينية لجنة تنسيقية لتفهم احتياجات الصين وجمع المواد الطبية داخل العراق ومن الدول المحيطة به، وقدمت المساعدات اللازمة للجانب الصيني في أسرع وقت، فقد قام أعضاء الجمعية المتواجدون بجميع أنحاء العراق بتنسيق حملة تبرعات إنسانية وطبية ثم اشتروا 79 طنًا من المساعدات الطبية المتنوعة مثل الكمامات الطبية من داخل العراق وخارجه وأرسلوا تلك المساعدات بطائرة خاصة إلى الصين، وقد أعرب رئيس جمعية الصداقة العراقية - الصينية عن أن علاقات الصداقة بين العراق والصين هي علاقات ذات تاريخ عريق، فهي ترجع الى أكثر من 60 عاما، وان الشعبين العراقي والصيني تجمعهما أخوة صادقة، ودائما ما قدم الشعب الصيني للعراق دعما كبيرا ومساعدات في اكثر من فرصة ، وخلال الآونة الأخيرة واجهت الصين تحديا كبيرا بسبب فايروس كورونا، وقد اتحد الشعب الصيني على قلب رجلٍ واحدٍ لمكافحة الوباء، وقد أعرب الشعب العراقي بصدد ذلك عن دعمه وتضامنه مع الشعب الصيني. على العكس من ذلك فإن بعض الدول الغربية استغلت ظهور هذا الوباء لتشويه صورة الصين حتى لقبت هذا الفايروس بالفايروس الصيني، وقدم الشعب العراقي دعما قويا للشعب الصيني، ومثال على ذلك فإن الأكراد العراقيين من جميع الوظائف قد شجعوا الشعب الصيني تشجيعا كبيرا ورفعوا لافتات قالوا فيها: إن الشعب الصيني ليس هو الفايروس، حتى أن قوباد طالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان زار بنفسه القنصلية الصينية العامة للتعبير عن تعازيه الصادقة، كما قامت د. ابتسام محمد العامري مدير مركز الدراسات الستراتيجية والدولية بجامعة بغداد والتي زارت الصين مرتين مسبقًا بصفتها باحثة زائرة في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية بارسال رسالة مواساة  إلى أصدقائها الصينيين أثناء بدايات انتشار الوباء والتي أعربت فيها عن دعمها للشعب الصيني وتمنت له الفوز في معركته ضد الفايروس.

لدينا في الصين مثلٌ معناه أن ما جزاء الاحسان الاحسان، فمنذ ظهور أول اصابة مؤكدة في 25 شباط في العراق وما أعقبها من تشخيص 54 حالة مؤكدة أخرى، والتي تدل على التسارع المتزايد في انتقال الفايروس، وتزامن ذلك مع قدرة الصين المتزايدة تدريجيا في السيطرة على الوضع الوبائي داخلها، ولذلك قررت جمعية الصليب الأحمر الصينية بمد يد العون إلى العراق وتقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للشعب العراقي، ما يدل على مشاعر الصداقة التي تجمع بين شعبي البلدين وتعاونهما في السراء والضراء، ويدل أيضا على نية ورغبة الصين في التعاون مع المجتمع الدولي للتصدي للفايروس، وقد وصل فريق الخبراء الصيني المتكون من سبعة أطباء مبعوثين من قبل جمعية الصليب الأحمر الصينية إلى بغداد في 7 اذار، وهم محملون بألف اختبار للحمض النووي، بالاضافة إلى خمسمئة ألف كمامة طبية ومعدات طبية وأعشاب صينية وغيرها من المساعدات الإنسانية اللازمة مما يجسد عزم البلدين على التكاتف للتغلب على الصعوبات .

إن العلاقات الودية بين الصين والدول العربية بما في ذلك العراق - لهي علاقات ذات تاريخ طويل، فتلك العلاقات الثنائية تقوم على الدعم والمؤازرة بين الطرفين، وتساعد في الحفاظ على مستوى عال من التعاون، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال المحاولات الصينية العربية للتصدي لهذا الوباء، وقد أصدر اجتماع مجلس جامعة الدول العربية لوزراء الخارجية والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي قرارا وبيانًا اكدا فيهما دعم وتقدير الصين على الجهود التي تبذلها في مكافحة الوباء،  فلن تنسى الصين أبدا الشعب العراقي الذي أشعل لها شمعة أمل عندما كانت لياليها مظلمة، فستستمر الصين في توطيد تعاونها مع المجتمع الدولي بما في ذلك العراق وغيرها من الدول من أجل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات وتنسيق الإجراءات والحفاظ على الصحة والأمن الإقليمي والعالمي، وهذا هو دور الصين كدولة مسؤولة والذي ارتضته لنفسها، كما أنه تجسيد ملموس لجوهر مبادرة بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية التي طرحها فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ .

*مساعد المدير التنفيذي لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية باحثة بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية بالصين.