اهتمت الماركسية بموضوعة التنظيم وتعاملت معها من منظور فكري ارتباطا بالوجهة السياسية والأسس النظرية. وقد اشار لينين في مؤلفه المشهور “ما العمل”، وفي مقالته “رسالة الى رفيق حول مهامنا التنظيمية الى أهمية التنظيم في قيادة العمل الثوري، واشار في تلك المؤلفات الى أهمية التنظيم الثوري، والى المبادئ الاساسية للمركزية الديمقراطية، وأهمية تنظيم الطبقة العاملة والبروليتاريا في حزب ثوري، لتكوين الماكنة الحزبية الحقيقية لتحقيق التغيير الثوري.
وقد دعا لينين في المؤتمر الثاني لحزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي في عام 1903 الى تشكيل مجتمع يقوده حزب معاصر على قدر عالٍ من الكفاءة، بحيث يستطيع حشد منظمات الحزب و العمال. وقال في ذلك الاجتماع: ” قدموا لنا تنظيما من الثوريين، سنقلب لكم روسيا رأساً على عقب”.
واذا نظرنا الى تاريخ نضال الحزب الشيوعي الصيني نرى الاهتمام البالغ للحزب في كافة مراحل تطوره، بمسألة التنظيم والضبط الحزبي. لقد ربط ماو تسي تونغ في مقالة له حول (أشكال عمل لجان الحزب) في اذار 1949، مفهوم الضبط الحزبي بمواضيع أساسية منها: ان قيادة أمين اللجنة الحزبية لا تعني تحديد الاتجاه العام والسياسات فحسب، بل تعني أيضا وضع الأساليب الصحيحة في العمل.. وطرح المسائل على بساط البحث وتبادل المعلومات.. واستشارة المرؤوسين في القضايا غير المعروفة.. و”العزف على البيانو”، والذي يعني تحريك الاصابع العشر من اجل حركات ايقاعية متناسقة لأخذ المهمة في قوة و حزم.. والاهتمام بالأرقام وطمأنة الشعب، لكي يعلم الجميع ماذا سيناقش في الاجتماعات وما هي المسائل التي تتطلب الحل.. والاعتماد على قوات أقل وأفضل وادارة ابسط.. والحذر من الغرور كمسألة مبدئية بالنسبة الى جميع القادة وهي ايضا شرط مهم لصيانة الوحدة، عبر التأكيد على العمل الجماعي مع الرفاق الذين لديهم أراء مختلفة.
وفي مقالة أخرى عام 1942 بعنوان (ضد القوالب الجامدة في الحزب)، أشار ماو تسي تونغ الى نزعة الذاتية و الانعزالية و كيفية استخدامهما القوالب الجاهزة كأداة للدعاية أو طريقة للتعبير عنها، وكيف تجدان مخبأ فتتواريان اذا لم نستأصل القوالب الجاهزة. واعتبر في تلك المقالة بان تلك التوجهات تتعارض مع الماركسية.
وفي المقالة التي كتبها ماوتسي تونغ بعنوان “دور الحزب الشيوعي في الحرب الوطنية”، أشار الى أهمية النظام الحزبي عبر التأكيد على: “1ــ خضوع الأفراد للمنظمة. 2ــ خضوع الأقلية للأغلبية. 3ـــ خضوع المستويات الدنيا للمستويات العليا. 4ـــ خضوع كل الحزب للجنة المركزية. وان كل من يخرق أي بند من بنود هذا النظام يعتبر مخرِباً لوحدة الحزب. وتثبت التجربة أن بعض الناس يخرقون النظام لأنهم يجهلون ما هو النظام الحزبي… بينما أخرون يخرقونه عن علم ويستغلون جهل العديدين من أعضاء الحزب، في سبيل تحقيق أغراضهم الشريرة. ولذا من الضرورة أن نقوم بتثقيف أعضاء الحزب حول موضوع النظام الحزبي، حتى يلتزم أعضاء الحزب بالنظام، و يستطيعوا في نفس الوقت مراقبة قادة الحزب ليتقيدوا هم الآخرون بالنظام الداخلي”.
ويربط ماو تسي تونغ مسألة تقييد أعضاء الحزب بالنظام الحزبي بأهمية بذل أقصى ما ليهم من المبادرة، اعتماداً على نشر الديمقراطية في حياة الحزب. و يرى ” ان توسيع الديمقراطية داخل الحزب يحب أن يعتبر خطوة ضرورية من أجل توطيد الحزب وتطويره، وسلاحا هاما يُمَّكِن الحزب في نضاله العظيم من أن يصبح نشيطا مليئا بالحيوية قادرا على انجاز مهماته، ومن أن يخلق قوى جديدة ويتغلب على صعوبات الحزب”.
اشار النظام الداخلي المقر في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الى أن الصين دخلت الى “مرحلة تنموية جديدة لبناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل وتعميق الاصلاح على نحو شامل، وحكم الدولة وفقا للقانون على نحو شامل وادارة الحزب بانضباط صارم على نحو شامل”.
ويأتي التأكيد على هذه المبادئ في النظام الحزبي وادارة العمل الحزبي انطلاقاً من منهج أساسي يتجسد في التأكيد على قيادة الحزب الشيوعي لعملية بناء الاشتراكية بالخصائص الصينية، والتي تتطلب تربية أعضاء الحزب بالقيم والمثل المستقبلية للشيوعية.
يربط النظام الداخلي بين بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بموضوعة ادارة الحزب بانضباط صارم. ومن أجل تحقيق هذا التوجه يشير النظام الداخلي الى ضرورة التمسك بالخط الاساسي للحزب، و التمسك بتحرير العقول والبحث عن الحقيقة من الوقائع ومواكبة العصر والتحلي بالواقعية، والتمسك بخدمة الشعب بكل أمانة واخلاص، والتمسك بالمركزية الديمقراطية التي تعني الاندماج بين المركزية القائمة على اساس الديمقراطية والديمقراطية تحت ارشاد المركزية، والتمسك بادارة الحزب لشؤونه وأعضائه بصرامة.
تحدد المادة الثالثة من النظام الداخلي واجبات أعضاء الحزب، ويؤكد على عضو الحزب أن يلتزم بالأنضباط الحزبي بشكل واع والذي يعني الانضباط السياسي و القواعد السياسة للحزب، و يطيعوا قوانين الدولة و لوائحها على نحو مثالي، وأن يتشددوا في المحافظة على اسرار الحزب والدولة، وأن ينفذوا قرارات الحزب، وأن يخضعوا للترتيب المفروض من المنظمة الحزبية، وأن يؤدوا مهمات الحزب بنشاط، وأن يصونوا تضامن الحزب و وحدته وان يكونوا مخلصين صادقين للحزب، وأن يوفقوا بين الأقوال والأفعال، وأن يعارضوا بحزم كل التكتلات الانشقاقية والانشطة التشرذمية، وأن يحاربوا أفعال الوجهين والنفاق والمكايد بشتى أنواعها.
كما طالب النظام الداخلي من أعضاء الحزب ممارسة النقد والنقد الذاتي، وأن يجرؤوا على كشف وتصحيح الاقوال والأفعال المخالفة لمبادئ الحزب و العيوب والاخطاء في العمل، ويخوضوا بحزم النضال ضد ضواهر التواني والفساد.
وفي كلمة للأمين العام للحزب شي جين بينغ في الدورة الكاملة الخامسة للجنة المركزية الثامنة عشرة لفحص الانضباط الحزبي، اشار الى دستور الحزب هو اللوائح العامة التي ينبغي لكل الحزب ان يلتزم بها، وأن الانضباط الحزبي هو التقييد الحديدي، ولا بد من المحافظة عليه من كل الحزب في نواحي الاتجاه السياسي والموقف السياسي والرأي السياسي والاعمال السياسية. كما يشير الامين العام للحزب الى أن الانضباط قاعدة مكتوبةـ أما بعض القواعد التي لم يتم تحديدها بعبارات واضحة في الانضباط فهي الانضباط غير المكتوب وهي انضباط التقيد الذاتي، والانضباط قاعدة حديدية يجب اتباعها من قبل كل أعضاء الحزب… ولا يجوز مطلقا السعي وراء التكتل وتجميع الانصار لمآرب شخصية داخل الحزب.
ويشير الامين العام في مجال آخر الى أن بعض الكوادر ينزقون في القيل والقال ويهذرون في الكلام وترويج الشائعات لخلق البلبلة ويقومون بالاستهزاء والسخرية وافشاء الاسرار غير الرسمية وابداء تعليقات طائشة ونقل الاخبار السيئة عبر شبكة الانترنيت بجماسة بل ويجتمع بعض “الاخوة والاصدقاء” لابداء ملاحظات سقيمة حول المبادئ والسياسات التي تنتهجها اللجنة المركزية للحزب… ونشر بعض ما يسمى بالاخبار الداخلية بطرق غير مشروعة. ان كل هذه المظاهر تعتبر انتهاكاً للانضباط الحزبي.
ويرى الامين العام للحزب الشيوعي الصيني بأن الانضباط الحزبي يأتي بالدرجة الأولى في العمل الحزبي، ويشير في هذا المجال الى خمس نقاط اساسية في مجال الانضباط الحزبي والانضباط السياسي، كالتالي:
أولاً/ يجب الحفاظ على مصداقية اللجنة المركزية للحزب، والحد المطلق من الانحراف عن متطلبات اللجنة المركزية للحزب، ويتعين على رفاق كل الحزب وخاصة الكوادر القياديين على مختلف المستويات أن يقفوا صفا واحدامع اللجنة المركزية للحزب فكريا وسياسيا و عمليا في أي وقت، وفي اي حال، وان يخضعوا لقيادة اللجنة المركزية للحزب، و لا يجوز أن يطيعوا في العلن ويخالفوا في السر أو أن يتصرفوا كما يحلو لهم.
ثانياً/ يجب الحفاظ على وحدة الحزب والحد المطلق من تكتيل القوى الخاصة داخل الحزب.
ثالثاً/ يجب التمسك بالاجراءات التنظيمية، والحد المطلق من اصدار قرار بغير استشارة… ولا يجوز تجاوز الصلاحيات في العمل، ولا يجوز التصرف قبل الاستشارة.
رابعاً/ يجب الخضوع لقرارت منظمة الحزب ، ولا تجوز مخالفة قرارات منظمة الحزب ، و لا يجوز خداع منظمة الحزب ومقاومتها.
خامساً/ يجب التشدد مع الأهل والموظفين الذين يعملون بالقرب منهم، والحد المطلق مع استبدادهم بالسلطة وتدخلهم في الشؤون السياسية لكسب المصالح الشخصية، ولا يجوز التغافل عن تدخلهم في وضع السياسات وتنظيم الشؤون الذاتية.
إن تجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية و تجارب الشعوب الأخرى من أجل العدالة الاجتماعية والاشتراكية، تؤكد بان النضال من أجل التغيير الاجتماعي والتقدم والاشتراكية يرتبط بوجود الحزب الماركسي، وبدون وجود هذا الحزب لا يمكن التفكير بالتغيير الاجتماعي والتقدم و الاشتراكية التي تتطلب حزباً يتحلى بانضباط حديدي صارم وواعٍ.
المصدر: موقع الصين بعيون عربية