إن ما يميز الصين اليوم هو العزيمة القوية والثابتة لدعم السلام والإستقرار والتقدم في ظل عالم ملئ بالتحديات والأمال، وهذا ما عبر عنه عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية وانغ يي عند حديثه عن سياسية الصين الخارجية وعلاقاتها الدولية، في الدورة الثانية للمجلس الوطني ال14 لنواب الشعب الصيني بتاريخ 7 مارس 2024 في بكين: "إن دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية طبقت الخطوات العملية لتعزيز التضامن والتعاون الدوليين، وطرحت الحلول الصينية من خلال العديد من المبادرات والمقترحات لتسوية مختلف الأزمات والتحديات، وقدمت المساهمات الصينية لتدعيم السلام والتنمية في العالم، وصولاً لتعزيز التضامن والتعاون والدفع نحو دمقرطة العلاقات الدولية، وتبني موقف واضح من من القضايا المبدئية المتعلقة بالحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية ومصير ومستقبل البشرية، وتحمل المسؤولية الأخلاقية بالإتجاه الصحيح". وهذا يؤكد أن الدبلوماسية الصينية نابعة من ثقافة التسامح والإنفتاح تجاه الآخرين من خلال توطيد وتوسيع شبكة الشراكات العالمية والدفع بإقامة علاقات دولية متزنة مبنية على الإحترام المتبادل والإستفادة من الحضارات المختلفة والتعايش السلمي وبالتالي تحقيق التعاون والكسب والتقدم المشترك، وصولاً لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية جمعاء، وهذه تعتبر أهم مبادئ الدبلوماسية الصينية التي وضعها الرئيس الصيني شي جينبينغ.
وفي هذا الصدد وضعت الصين بقيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ أليات متعددة الأطراف مثل دول البريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون بهدف تعزيز التعاون المتعدد الأطراف على الساحة الدولية وتطبيق تعددية الأطراف الحقيقية وصولاً للحفاظ على المنظومة الدولية وميثاق الأمم المتحدة بقيادة الأمم المتحدة بهدف حماية الأمن والسلام والإستقرار في المنطقة والعالم ككل. وعليه فإن الصين قيادة وحكومة وشعب تسعى لتعزيز علاقات التعاون والشراكات الإستراتيجية الشاملة مع الجميع بهدف معالجة كافة التحديات والأزمات التي تعصف بالعالم والتي من شأنها تهديد الأمن والسلام الدوليين وبالتالي غياب الإستقرار والتنمية الحقيقية المستدامة، وفي مقدمة تلك القضايا والتحديات غياب حل القضية الفلسطينية بشكل دائم وعادل وشامل وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
فالصين تدعم الحل السياسي والعادل للقضية الفلسطينية منذ 1955، أي منذ إنعقاد مؤتمر باندونغ الرافض للإحتلال والإستعمار الأجنبي، وبقي موقف الصين واضحاً وثابتاً في كل الفترات والمراحل التي مرت وتمر بها القضية الفلسطينية ليومنا هذا، فالدبلوماسية الصينية تجاه السعي لحل القضية الفلسطينية فعال وذات أهداف محددة وتسعى بجدية للتعاون مع الأطراف كافة لدعم المسار السياسي والعادل لتحقيق الأهداف السياسية للشعب الفلسطيني الذي مازال يعاني حرب الإبادة الجماعية والظلم والحرمان في ظل عجز إرادة دولية حقيقية لوقف ذلك، ولعل أحد أهم أسباب عدم نجاح أهداف الدبلوماسية الصينية لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل ودائم وشامل هو غياب الإرداة الدولية الحقيقية للدفاع عن مسار "حل الدولتين" وتطبيقه على ارض الواقع وفق القانون الدولي ومقررات الشرعية الدولية، وهذا يعود للنظام الأحادي الدولي الذي تقوده أمريكا وحلفاؤها، وهو نظام القوة والهمينة وتعزيز السيطرة والنفوذ، أي نظام "دول الإمبريالية الجدد".
وبناءاً على ذلك مازالت أمريكا وحلفاؤها ودولة الإحتلال تتجاهل الحقوق الفلسطينية المشروعة ولا تريد التعاون أو التعاطي مع الصين وغيرها من أحرار العالم بهدف الحفاظ على الحل السياسي والعادل للقضية الفلسطينية وفق مبدأ "حل الدولتين"، وبالتالي فإن جهود الدبلوماسية الصينية تجاه حل القضية الفلسطينية تصتدم بالتحدي الكبير وهو أن أمريكا وحلفاؤها الغربيون ودولة الإحتلال لا يريدون لهذه الدبلوماسية الصينية النجاح وتحقيق أهدافها في حل القضية الفلسطينية حلاً جذرياً وشاملاً وعادلاً ودائماً، وبالتالي عدم إعطاء الدبلوماسية الصينية الدور البناء والإيجابي لتعزيز الحل السياسي والعادل للقضية الفلسطينية وبالتالي عدم تحقيق الأمن والسلام والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يدل على أن السياسة الأمريكية وحلفاءها الغربيين ودولة الإحتلال لا يريدون تحقيق الإستقرار والإزدهار في فلسطين والمنطقة، ولو أرادوا ذلك لمدوا أيديهم للدبلوماسية الصينية وأهدافها وتعاونوا على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة وذات السيادة على الأرض الفلسطينية في العودة والحرية وتقرير المصير منذ عقود، ولحافظوا على أرواح الأبرياء الذين يتعرضون للعدوان منذ السابع من أكتوبر 2023 وما سبق ذلك منذ عقود.
وفي سياق متصل، وفي مستهل حديثه مؤخراً عن القضية الفلسطينية قال عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية وانغ يي: "أنه لا يمكن الإستمرار بتجاهل حقيقة الإحتلال الطويل الأمد للفلسطينيين، ولا يجوز التغاضي عن تطلعاتهم المشروعة، وإستمرار الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ عقود، ولن يتحقق السلام الدائم في الشرق الأوسط إلا بإعطاء الشعب الفلسطيني حقه وتنفيذ "حل الدولتين" بشكل شامل وعادل ودائم". وعليه فإن الصين تدعم بثبات وقوة الإرادة القضية العادلة للشعب الفلسطيني وإستعادة حقوقه الوطنية المشروعة من خلال التأكيد على دعم العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة والجدية في دعوة الأطراف كافة لعقد مؤتمر دولي للسلام أكثر مصداقية وتعددية وفاعلية ووضع جدول زمني لتنفيذ الحل السياسي والعادل وفق مبدأ "حل الدولتين" وصولاً لتحقيق التعايش السلمي والعيش المشترك في مجتمع المصير المشترك للجميع دون إستثناء.
إن نواة الدبلوماسية الصينية سعادة المواطنين، ووجدت لخدمة الإنسانية ومبادئها، بصرف النظر عن المعتقد أو اللون أو الجنسية وما شابه، وعندما طرحت الصين المبادرات والمقترحات والأليات متعددة الأطراف، فإنها تهدف لتعزيز وتجسيد التعاون والعمل المشترك لإيجاد حلول للأزمات والقضايا الساخنة دولياً، وفي مقدمة تلك القضايا حل القضية الفلسطينية التي تطال إنتظارها 75 عاماً، وأن لا سلام أو إستقرار في المنطقة والعالم دون حلها. فالصين تمد يدها للآخرين بما في ذلك أمريكا وحلفاؤها الغربيون لإنجاح مسار التعاون والعمل المشترك لحل مختلف القضايا وأهمها القضية الفلسطينية، وصولاً لبناء مجتمع المصير المشترك بالتساوي وتحقيق العدالة والإنصاف والمنفعة المتبادلة لكل الأطراف، وأن المعيار لتحقيق هذا الهدف هو ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية وغيرهما من مبادئ الإنسانية جمعاء.
في المقابل مازالت أمريكا وحلفاؤها الغربيون ودولة الإحتلال يقفون عائقاً أمام تحقيق أهداف الدبلوماسية الصينية لتحقيق الأمن والسلام والإستقرار والإزدهار في الشرق الأوسط وفلسطين، ولو أرادوا للجهد الصيني النجاح لتعاونوا، ولكنهم يضعون العراقيل في تجاهل الحقوق الفلسطينية المشروعة لإفشال جهود الدبلوماسية الصينية في تحقيق السلام والتنمية المستدامة في المنطقة وفلسطين، وبالتالي إفشال مساعي الصين لخلق نظام تعددي دولي قادر على تحقيق العدل والسلام والإستقرار وتحقيق الكسب والعيش المشترك للجميع. وتأتي سياسة أمريكا وحلفاؤها الغربيون ودولة الإحتلال للحفاظ على نظام الهيمنة والسيطرة لتعزيز النفوذ الدولي والإقليمي حفاظاً على المصالح الضيقة ونهب خيرات الشعوب وتقاسم أراضيها بصرف النظر عن الظلم والإضطهاد الذي يعيشه الإنسان الضعيف أو المظلوم، فلا إكتراث لديهم لمستقبل البشرية في ظل تفاقم الأزمات السياسية والإنسانية والإجتماعية والإقتصادية والبيئية والصحية وما شابه.
في المحصلة، فالثقافة الصينية هي ثقافة إنصاف وعدل وتسامح وتعاون وسلام، وليست ثقافة عدوانية أو إستعمارية، والدبلوماسية الصينية هي أحد أهم مخرجات تلك الثقافة، وترى الصين الآخرين بنفس المستوى وطموح واحد دون تكبر أو هيمنة أو إستقواء، لذلك تسعى الصين لمساعدة الآخرين بتقديم الحلول والمقترحات والأليات التعددية من أجل مصلحة الجميع وصولاً لتحقيق العيش الكريم والكسب المشترك في مجتمع المصير المشترك الذي يسوده السلام والإستقرار والإزدهار، فالصين صوت لكل المظلومين الطواقين للعدالة والإنصاف والحرية وتقرير المصير، فالشعب الفلسطيني مازال يدفع الثمن كونه رفع الصوت عالياً للعيش بكرامة وحرية وعدالة وعيش مشترك، وهاهي الدبلوماسية الصينية تستجيب، ولكن الآخرون في سبات عميق، فهل من مجيب!
عربياً
لا بد من جهد عربي مشترك لدعم الدبلوماسية الصينية تجاه الحل السياسي والعادل للقضية الفلسطينية في كافة المحافل، وهذا يتطلب اخذ زمام المبادرة والتقدم بمبادرات عملية تعددية تتبنى رؤية الدبلوماسية الصينية وأهدافها على المستوى العربي والإسلامي رسمياً، وهذا من شأنه تذليل العقبات أمام تلك الدبلوماسية لتحقيق أهدافها بوقف الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني فوراً، والسعي الفوري لحل القضية الفلسطينية حلاً جذرياً وعادلاً وشاملاً وفق مسار سياسي واضح يلبي طموحات الشعب الفلسطيني المشروعة خلال مدة زمنية محددة.
فلسطينياً
لا بد من تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس الشراكة الوطنية الحقيقة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ضمن مؤسسة وقانون وسلاح واحد وأن الحكم لسيادة القانون والمؤسسة فقط، وفتح حوار جدي وبناء مع القيادة الصينية لتنسيق العمل المشترك والخطوات المقبلة فيما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية، والسعي معاً لبناء علاقات دولية تعددية هدفها تحقيق السلام والعدل الدوليين للقضية الفلسطينية والقضايا ذات الإهتمام المشترك، والبعد في الرهان على الموقف الأمريكي وبعض الحلفاء الغربيين الذين مازالوا لا يعترفون بالدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، ويدعمون الحرب الشاملة على الشعب الفلسطيني ليومنا هذا.