في أوائل الخريف في بكين، حيث الشمس المشرقة والسماء الصافية والنسيم العليل، عبقت العاصمة الصينية بأجواء الصداقة بين الصين وأفريقيا، فقد عقدت بنجاح قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي يومي الثالث والرابع من شهر سبتمبر عام 2018، تحت شعار "الصين وأفريقيا: التعاون والفوز المشترك والعمل معا من أجل بناء رابطة أوثق للمصير المشترك". حضر فعاليات القمة أكثر من خمسين من قادة الدول الأفريقية، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والأمين العام للأمم المتحدة كضيف خاص، وممثلو 27 منظمة إقليمية دولية وأفريقية بصفة مراقب، مما يجعل هذه القمة أكبر نشاط دبلوماسي عقد في الصين حتى الآن من حيث الحجم والمستوى. وباعتباري دبلوماسيا قديما عمل فترة طويلة في الدول العربية الأفريقية، كان لي شرف حضور مراسم افتتاح هذه القمة التي عقدت في قاعة الشعب الكبرى، والاستماع إلى خطابات الرئيس شي جين بينغ والقادة الأفارقة المفعمة بالحماسة والمشاعر الصادقة، فلاحت في ذهني صور التبادلات الودية والمساعدات المتبادلة بين الصين وأفريقيا خلال أكثر من نصف قرن. تبنت القمة "إعلان بكين حول بناء رابطة أوثق للمصير المشترك بين الصين وأفريقيا" و"خطة عمل بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي (2019- 2021)"، والأكثر الأهمية هو اتفاق الجانبين على بناء مجتمع مصير مشترك أقوى. تعد هذه القمة حدثا تاريخيا للصداقة الصينية- الأفريقية وخير شاهد على تعزيز التضامن والتعاون والتنمية المشتركة بين الصين وأفريقيا.
أولا، حققت هذه القمة نتائج مثمرة: (أ) صاغت القمة الهدف الجديد العظيم للارتقاء بالعلاقات الصينية- الأفريقية. الصين وأفريقيا شريكان مصيرهما مشترك، وقد طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة "بناء مجتمع مصير مشترك أقوى بين الصين وأفريقيا" في القمة، وأوضح تفاصيل مفهوم مجتمع المصير الصيني- الأفريقي المشترك، الأمر الذي حظي بالموافقة التامة والاستجابة العالية الدرجة من الدول الأفريقية المشاركة في القمة. من شأن ذلك، تعزيز رغبة وثقة التعاون بين الصين وأفريقيا في جميع المجالات على مستويات أوسع وأعمق، وتحديد الهدف وإرشاد الاتجاه لتطوير شراكة التعاون الإستراتيجية الشاملة بين الصين وأفريقيا. (ب) فتحت القمة أفقا جديدا لتعزيز التعاون الصيني- الأفريقي. على أساس تلخيص شامل لتجارب نجاح "خطط التعاون العشر" التي طرحت في قمة جوهانسبرغ لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي في عام 2015، ومن أجل تعزيز فعالية العمل، مع اتخاذ الشعب كمحور في التعاون، اقترح شي جين بينغ أن تنفذ الصين وأفريقيا معا وبشكل جيد "الحملات الثماني"، وهي: التنمية الصناعية وترابط المنشآت وتسهيل التجارة والتنمية الخضراء وبناء القدرات والصحة والتواصل الشعبي والسلم والأمن، بما يزيد الفرص والقوة الدافعة للتعاون الصيني- الإفريقي. وأعلن الرئيس شي أن الصين مستعدة لتقديم 60 مليار دولار أمريكي لدعم أفريقيا بطرق مختلفة، بما في ذلك المساعدة الحكومية وإقامة المؤسسات المالية واستثمارات الشركات وتمويلها، لتنفيذ "الحملات الثماني" بسلاسة. وقد أثنى القادة الأفارقة على "الحملات الثماني"، وأكدوا أنها ستعزز محتوى ومستوى التعاون بين الصين وأفريقيا، لتسريع تحقيق التنمية المستدامة في البلدان الأفريقية. كما أعربوا عن اعتقادهم بأن مبادرة "الحزام والطريق" تربط قارتي آسيا وأفريقيا برباط وثيق، وتضخ حيوية جديدة للتعاون الصيني- الأفريقي، وتقدم حلولا مبتكرة للحوكمة العالمية. (ج) فتحت القمة مجالا جديدا أوسع لتعميق التعاون بين بلدان الجنوب. لقد وحدت هذه القمة الإرادة وحققت الإجماع حول التضامن والتعاون للدول الخمس والخمسين المشاركة والتي يقدر عدد سكانها الإجمالي بنحو 6ر2 مليار نسمة، وأعلت صوت الصين وأفريقيا حول القضايا الدولية والإقليمية الهامة، وصاغت أسلوبها الخاص في استكشاف سبل التنمية والتعاون، الأمر الذي يمتاز بدور القيادة والنموذج الهام لتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، ويساهم في حماية مصالح الدول النامية المشتركة بشكل أفضل. (د) قدمت القمة مساهمات إيجابية جديدة لصون النظام الدولي. تصادف هذه القمة مرحلة التعديل العميق للنظام الدولي. أعلنت الصين وأفريقيا موقفا صريحا واضحا لمعارضة الأحادية والحمائية، وحماية التعددية ونظام التجارة الحرة بحزم، والدعوة إلى التمسك بمبدأ "التشارك في التشاوروالبناء والمنفعة"، والعمل بنشاط على تعزيز إصلاح نظام الحوكمة العالمي، وتعزيز العولمة الاقتصادية نحو اتجاه أكثر انفتاحا وشمولا وتوازنا والفوزالمشترك، مما ضخ قوة دافعة إيجابية قوية في الوضع الدولي، الذي تتنامى فيه عوامل عدم الاستقرار وعدم اليقين.
ثانيا، رسمت هذه القمة لوحة رائعة للصداقة والتعاون بين الصين وأفريقيا، فضلا عن كونها تعبيرا مركّزا عن المفاهيم والمبادرات والتدابير الدبلوماسية الصينية الجديدة في العصر الجديد. في تلخيصه لمسيرة الصداقة والتعاون الطويل المدى بين الصين وأفريقيا، استخدم الرئيس شي جين بينغ عبارة "التمسك بأربعة أشياء" لاستكشاف الخصائص الجوهرية للتضامن والتعاون بين الصين وأفريقيا؛ وهي: التمسك بالصدق والصداقة والمعاملة على قدم المساواة في التعاون؛ التمسك بالموقف الصحيح من العدالة والمنفعة، مع وضع العدالة في المقام الأول في التعاون؛ التمسك بالتنمية من أجل الشعب والأسلوب البراغماتي والفعالية العالية في التعاون؛ التمسك بالانفتاح والشمول وضم كل ما يفيد من الأفكار في التعاون، مما يدشن طريق تعاون مميزا للفوز المشترك. وقد ضجت قاعة المؤتمر بتصفيق طويل عندما أكد الرئيس شي، وهو يلقي كلمته، على "اللاءات الخمسة" للصين في تعاونها مع أفريقيا؛ وهي: لا للتدخل في جهود الدول الأفريقية لاستكشاف طرق التنمية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية، ولا للتدخل في الشؤون الداخلية الأفريقية، ولا فرض إرادتها على الآخرين، ولا لربط مساعداتها لأفريقيا بأي شرط سياسي، ولا للسعي من أجل تحقيق مصلحة سياسية أنانية خلال الاستثمار والتمويل في أفريقيا. وستلتزم الصين بهذه "اللاءات الخمسة" في التعامل مع الشؤون الأفريقية.
اليوم، تتوقع الدول الأفريقية عموما تسريع عملية التصنيع وعملية التحديث الزراعي لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتنمية المستدامة الذاتية. كما أن الصين، وهي في مرحلة تعميق الإصلاح الشامل وتعزيز تعديل الهيكل الاقتصادي، تتمتع بظروف تحقيق المنفعة المتبادلة مع مزيد من الدول الأفريقية على أساس المزايا المتكاملة للجانبين.
ثالثا، الصين وأفريقيا تتقدمان يدا بيد في طريق التعاون المتسم بالكسب المشترك. تعد أفريقيا "امتدادا"، تاريخيا وطبيعيا، لـ"الحزام والطريق"، ومشاركا هاما فيه. إن بناء الصين وأفريقيا "الحزام والطريق" معا سيوفر المزيد من الموارد والأساليب لتنمية أفريقيا ويجعل أسواقها أوسع ويقدم آفاق تنمية أكثر تنوعا. ومن الثمار الهامة للقمة، ما تم الاتفاق عليه بشأن ربط "مبادرة الحزام والطريق" بجدول أعمال الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وبرنامج الاتحاد الأفريقي لعام 2063، وربط التعاون في القدرات الإنتاجية الدولية بالإستراتيجية الصناعية الأفريقية، وربط الأفكار والخبرات الصينية في تخفيف الفقر بخطة أفريقيا للحد من الفقر. إن خطاب الرئيس شي جين بينغ في القمة لمحة واضحة تلخص جوهر التعاون بين الصين وأفريقيا، أي الصدق والصداقة ومعاملة الآخرين على قدم المساواة؛ واتخاذ الموقف الصحيح من العلاقة بين العدالة والمنفعة، مع وضع العدالة في المقام الأول؛ والتنمية من أجل الشعب والعمل الأسلوب البرغماتي والفعالية العالية؛ والانفتاح والشمول وضم كل ما يفيد من الأفكار. أكد الجانب الصيني مواصلة التزامه بالمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، لتعزيز قدرة النمو الذاتي لأفريقيا، غير المعتمدة على صادرات المواد الخام، وتقوية القدرات الإنتاجية للصناعتين الثانية والثالثة (التصنيع والخدمات) في أفريقيا، ودعم تحول وترقية التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأفريقيا، وتقديم كل أنواع المساعدات والدعم دون شروط سياسية لتنمية أفريقيا، بينما أكد الجانب الأفريقي تمسكه بطريق التنمية المستدامة المتنوعة المتناغمة اجتماعيا واقتصاديا، لضمان نتائج الفوز المشترك للجانبين. واتفق الجانبان على أن الصين وأفريقيا، ستركزان على تعزيز التعاون في مجال التنمية الصناعية والبنية التحتية والتجارة والاستثمار واستغلال الثروات الطبيعية والطاقة والزراعة وحماية البيئة وغيرها، في إطار بناء "الحزام والطريق"، وإعطاء المزيد من الاهتمام لتحسين قدرات التنمية المستقلة الأفريقية وتحسين أحوال معيشة الشعب والتوظيف في أفريقيا، لتحقيق التعاون والكسب والتنمية المشتركة بشكل أفضل. إن مواءمة مبادرة "الحزام والطريق" مع أجندة التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة و"أجندة 2063" للاتحاد الأفريقي، ستعزز كثيرا تطوير التعاون بين الصين وأفريقيا بشكل أفضل وأسرع وأكثر فائدة للشعب الأفريقي. كما تم التأكيد في القمة أيضا بشكل خاص على تعزيز التبادلات بين شباب الصين وأفريقيا وبناء القدرات في أفريقيا، ومواصلة تمتين أسس الصداقة اجتماعيا وشعبيا بين الصين وأفريقيا. من خلال تلخيص التجارب التاريخية، أدرك الجانبان أهمية الأمن بشكل عميق، فكانت إقامة الأمن المشترك من أبرز النقاط في هذه القمة، أكد الجانبان بوجه خاص على تعزيز التعاون في السلام والأمن، لتوفير ضمان أقوى للأمن من أجل السلام والتنمية والتعاون العملي بين الصين وأفريقيا. كما قررت الصين إنشاء صندوق تعاون صيني- أفريقي، الذي يعد أول صندوق أنشأته الصين في مجال السلام والأمن في أفريقيا، يتعلق بقضايا السلام والأمن، مما سيخلق منصة أكثر فعالية للتعاون بين الجانبين. تواصل الصين دعمها للبلدان الأفريقية والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي في حل المشكلات الأفريقية بالطريقة الأفريقية، وتدعم البلدان الأفريقية في تعزيز قدراتها لحفظ السلام وصون الاستقرار. وستواصل الصين تقديم المساعدات العسكرية بلا مقابل للاتحاد الأفريقي، وتدعم الساحل الأفريقي وخليج عدن وخليج غينيا وغيرها من البلدان والمناطق لتعزيز قدراتها لحفظ السلام وحماية الاستقرار.
رابعا، تعد القمة بمثابة عمل هام بالنسبة للصين تجاه الدول النامية، وسوف يصبح منتدى التعاون الصيني- الأفريقي شاهدا تاريخيا على التعاون بين الجنوب والجنوب. إن العام الحالي هو عام التعاون بين بلدان الجنوب للدبلوماسية الصينية، التي ظلت تسعى لتعزيز التضامن والتعاون مع دول أفريقيا وغيرها من الدول النامية كخيار إستراتيجي راسخ طويل المدى لها. الصين هي أكبر دولة نامية، وأفريقيا فيها أكبر عدد من البلدان النامية، وقد أعربت الصين وأفريقيا عن استعدادهما لتعزيز التضامن والتعاون، لتتقدما معا في طريق التعاون والكسب المشترك والتنمية المشتركة، وذلك يتم تحديده من خلال وضع الصين الداخلي وخصائص نظامها واتجاه قيمها، فلن يتغير مهما تطورت الصين ومهما تغير الوضع الدولي. ويسعدنا أن نرى أن هذا العام شهد انعقاد منتدى الصين- أمريكا اللاتينية ومنتدى التعاون الصيني- العربي ومنتدى التعاون الصيني- الأفريقي واحدا تلو الآخر، لتحقيق التغطية الكاملة لآلية الحوار الجماعي بين الصين والبلدان النامية. كما استضافت الصين في عام 2018 الاجتماع السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي وقمة منظمة شانغهاي للتعاون في مدينة تشينغداو وغيرها من الأحداث الدبلوماسية الكبيرة، حيث تلعب البلدان النامية "دورا قياديا"، الأمر الذي يعكس زخما قويا لتضامن وتعاون البلدان النامية حاليا، ويؤكد أيضا عزم الصين الراسخ على تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب. قال الرئيس شي جين بينغ في كلمته التي ألقاها في القمة، إن "الصين ستعمق التضامن والتعاون مع الدول النامية، لتشكيل حالة جديدة للتقدم والتنمية معا." في المستقبل، ستواصل الصين دفع التعاون في بناء "الحزام والطريق"، الذي يشق طريقا جديدا لحل مشكلات التنمية العالمية وتحقيق التنمية المشتركة لجميع البلدان. وقد استجابت الدول الأفريقية لهذه المبادرة بحماسة، وأعربت عن رغبتها في المشاركة فيها بنشاط، الأمر الذي يزيد قوة وزخم بناء "الحزام والطريق" باستمرار. تظل الصين ملتزمة بمفهوم التشاور والتعاون والمنفعة للجميع، وتعزيز الانفتاح والشفافية والشمول وحماية البيئة والتنمية المستدامة، ومواصلة تعزيز مواءمة إستراتيجيتها مع الدول النامية لاكتشاف إمكانيات التعاون وتعزيز التكامل الاقتصادي وتقاسم ثمار التنمية، لتحقيق التنمية المشتركة على مستوى أعلى. حاليا، وبينما يواجه العالم تغيرا كبيرا، تتاح للدول النامية فرصة تاريخية نادرة للتنمية والنهوض، ولكن أيضا تواجهها تحديات العصر مثل عجز السلام وعجز التنمية وعجز الحوكمة. إن الصين تتحمل مسؤولياتها الخاصة ومهماتها الجسيمة باعتبارها أكبر دولة نامية، وتتمسك بالإنصاف للبلدان النامية على الساحة الدولية، ومواصلة التواصل الوثيق مع البلدان النامية، لتعزيز التعاون الإستراتيجي المشترك ودعم تنمية وتحسين نظام الحوكمة العالمية نحو اتجاه أكثر عدلا ومعقولية وتوازنا، وحماية المصالح والشواغل المشتركة للبلدان النامية، وتقاسم الرسالة مع البلدان النامية، والعمل معا لبناء علاقات دولية جديدة ومجتمع مصير مشترك للبشرية.
اختتمت قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي بنجاح، وقد أصبحت موضوعا ساحنا في أنحاء العالم. خلال هذه القمة، وقعت الصين مع مصر وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول العديد من مذكرات التفاهم حول مشروعات رئيسية لتعزيز التعاون في 42 مشروعا هاما للقدرات الإنتاجية، إضافة إلى سلسلة من المشروعات الكبيرة الهامة والتبادلات الثقافية بين الصين وأفريقيا. يقول المثل الأفريقي: " "إذا كنتم تريدون الذهاب بعيدا، فعليكم أن تسيروا جنبا إلى جنب"، إن هذا المثل مفعم بالحكمة والفلسفة. إن الصين وأفريقيا، وهما عند نقطة بداية تاريخية جديدة، يعملان معا لتحقيق أحلامهما وفتح مسيرة جديدة. ستنجح القضية العظيمة لكتابة صفحة جديدة لمجتمع المصير المشترك للبشرية معا، وسيكون مستقبل العلاقات الصينية- الأفريقية أكثر إشراقا بكل تأكيد.
المصدر: الصين اليوم.