قمّة الصين-السعوديّة، خطوة أخرى باتجاه التحدّي

الناشر:汪倩

تاريخ النشر:
2022-12-08

بقلم لجين سليمان-الصين

قمة سعودية صينية، قمة خليجية صينية، قمة عربية صينية، ثلاث قمم من المتوقع عقدها خلال زيارة الرئيس الصيني “شي جينغ بينغ” إلى المملكة العربية السعودية، جاءت هذه الزيارة بعد أن أكدّ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة احتلت المركز الأول في ترتيب الاستثمار الصيني الخارجي في الثلث الأول من عام 2022.

تاريخيا

تعود علاقات الصين مع العالم العربي عموما إلى العصور القديمة عندما انخرط الجانبان في التبادل التجاري والثقافي عبر طريق الحرير. وقد بدأت العلاقات الرسمية على المستوى الحكومي بين الجانبين في عام 1956 مع إقامة علاقات دبلوماسية مع مصر وكذلك مع البدء بإقامة علاقات رسمية مع المملكة العربية السعودية في يوليو 1990 ، وقد أصبحت الصين منذ ذلك الحين في علاقات دبلوماسية رسمية مع جميع أعضاء جامعة الدول العربية.

تمّ تقسيم تاريخ العلاقات الصينية السعودية إلى أربع مراحل رئيسية: 1) مرحلة شبه انعدام العلاقة استمرت من عام 1949 حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي وقد اقتصرت على السياحة الدينية وقدوم المسلمين من أجل الحج  على نطاق ضيق جدا. 2). مرحلة بداية تطور العلاقات بين البلدين بعد بدء الإصلاحات الاقتصادية في الصين (عصر الإصلاح والانفتاح) عام  1978 وحتى عام 2000 3).مرحلة بدء التطور. 4) مرحلة صعود الاقتصاد الصيني وتحوله إلى قوة عالمية.

ولعلّ من أهم الزيارات المبتادلة بين الجانبين  الصيني والسعودي كانت زيارة الرئيس “شي جينغ بينغ” عام 2016 إلى الرياض والتي وقعت خلالها الدولتان على اتفاقية استرايتيجية شاملة وهي أعلى مستوى في التسليل الهرمي للعلاقات الدبلوماسية في الصين.

العلاقات الاقتصادية

تطورت العلاقات العربية الصينية تطورًا مطًّردًا خلال العقود القليلة الماضية، حيث أصبحت الصين المشتري الرئيسي للنفط العربي والشريك الاقتصادي الرئيسي للدول العربية، وأكبر مستثمر في المنطقة. ومع إطلاق بكين لمبادرة الحزام والطريق عام 2013، طوّرت الصين شراكات استراتيجية شاملة مع السعودية، ومصر، والإمارات، والجزائر. وقد نمت العلاقات الصينية الخليجية في السنوات الأخيرة عموما ومن الناحية الاقتصادية خصوصا. لا سيما في المجال الطاقي إذ تعتبر الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط وثالث أكبر مستورد وتمثل السعودية المموّل النفطي الأول بين هذه الدول.

عام 2008 تمّ الإعلان عن إقامة علاقات تعاون بين الصين واالسعودية ولعلّ الجانب الأهم هو تطور التبادل التجاري الذي وصل في نهاية عام 2014 قرابة 74 بليون دولار (صادرات وواردات) وبذلك فإنّ الصين هي الشريك التجاري الأول للسعودية.

ومن المتوقّع أن تكون الصين بحلول سنة 2030، أكبر سوق للصادرات النفطية الخليجية، متجاوزة الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. ولم يقتصر الأمر على تصدير النفط الخام إلى الصين، بل بدأت دول الخليج توسّع صادراتها إلى الصين لتشمل المنتجات البيتروكيماوية والصناعات المعدنية.

لا بد أيضًا من ذكر وجود تطابق بين رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينغ بينغ. فوفقا للجانبين الصيني والسعودية فإنّ الرؤية التنموية تمثّل أساسا لهذا التعاون، فهناك أوجه تشابه بين المبادرتين (مبادرة الحزام والطريق في الصين ورؤية السعودية 2030). إذ يتمثل الهدف الاستراتيجي لمبادرة الحزام والطريق في تحسين البنية التحتية والروابط اللوجستية وتحفيز أنشطة التجارة والاستثمار. بينما تهدف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 إلى بناء اقتصاد متنوع لا يعتمد على البترول.

جدول الأعمال

يتناقض الخطاب الصيني عموما مع الخطاب الغربي الذي كان سائدا في المنطقة العربية لعقود مضت. إذ أنه ومن أبرز أوجه الاختلاف بين الخطابين سابقي الذكر هو سياسة الصين الخارجية في عدم التدخل بالشؤون الداخلية. بل على العكس تماما تطرح الصين سياسة جديدة قائمة على مبدأ الربح المشترك والفائدة المشترك للجميع، وتوجّه خطابا تنمويا سلميا.

ما سبق يطرح تساؤلا آخر حول جدول أعمال القمة القادمة فيما إذا كان يتضمّن اتفاقيات اقتصادية وأمنية أم أن التعاون سيقتصر على الجانب الاقتصادي فقط.

الأستاذ الدكتور “وانغ قنواندا” سكرتير عام مركز دراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية في جامعة “شانغهاي” للدراسات الدولية أشار إلى أنه في الغالب سيتم التركيز على بناء مجتمع المصير المشترك بين الصين والدول العربية ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمية، مضيفا إلى أن الأمن والتنمية هما من الأمور الاكثر إلحاحا لا سيما في عصرنا الراهن، هذا بالإضافة إلى بناء الحزام والطريق بمفاهيم عالية الجودة

وحول المقصود بكلمة “عالية الجودة” والتي تم ترديدها مؤخرا بشكل كبير من قبل الجانب الصيني أشار الدكتور “وانغ قنواندا” إلى أنّ المعنى الأساسي لهذه الكلمة هو الانتقال من الكم إلى النوع خاصة أنه قد ساد في السابق مفهوم أن البضائع الصينية ليست ذات جودة عالية وهذا الأمر غير دقيق لأن تلك البضائع تناسب مختلف الشرائح والدخول الاقتصادية ولذلك سيتم التركيز على النوع خلال الفترة القادمة.

يذكر أن هذه الزيارة تأتي وسط توتر في العلاقات السعودية الأمريكية، هذا التوتر الذي تجسّد مؤخرا في رفض منظمة “أوبك+” للرغبة أمريكية زيادة إنتاج النفط تلك المنظمة التي تملك الممكة العربية السعودية نفوذا كبيرا فيها، وقد عبّر هذا الأمر عن رغبة المملكة العربية السعودية في الابتعاد ولو قليلا عن التطابق الكامل مع الإدارة الامريكية.

لا شكّ في أنّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ماضٍ في تحدّيه ذي الاتجاهين، الأول هو محورية الدور السعودي إقليميًّا وعالميًّا وتسريع خطوات تنفيذ خطته الشهيرة “رؤيا السعودية 2030″، وثانيًا إفهام واشنطن أنَّ الرياض باتت تعتمد على تعدّد الاقطاب أكثر من أيّ وقت مضى وأنَّ على أميركا أن تُعاملها من مبدأ الند للند والشريك للشريك والصديق للصديق والاّ فإنها ستفقد مصالحها على الاراضي السعودية شيئًا فشيئًا…وأولى شروط ذلك هي مباركة وصوله الى العرش. ولا شك أن الصين تعرفُ تمامًا أهمية السعودية ليس فقط للنفط والأسواق وإنما لأنها أحدى المعابر الرئيسة لطريق الحرير ولسياسة بكين في المنطقة.