كثر الحديث عن سوء حالة حقوق الإنسان في الصين وخاصة في منطقة شينجيانغ الصينية، من قبل بعض الدول التي تدعي الديمقراطية وتحرص على نشر مبادئ وقيم تلك الديمقراطية بين الدول. حيث وصل الأمر ببعض هذه الدول المطالبة بفرض عقوبات قاسية على الصين بحجة أنها تنتهك حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى طالبت تلك الدول وبشكل علني وواضح بضرورة إنفصال هونج كونج عن الصين، الأمر الذي يعد إعتداء مباشر عى سيادة الصين كدولة مستقلة وعضو مهم وفاعل أساسي في المنظومة الدولية، مما قد ينتج عنه زعزعة إستقرار العلاقات الدولية وميثاق الأمم المتحدة المتعلق بإحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الغير.
فالصين دولة ذات حضارة متواصلة حيث يرجع تاريخها إلى ما قبل 5000 عام، ففي الأول من أكتوبر من العام الحالي إحتفلت الصين بالذكرى ال73 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وبالرجوع للوراء قليلا ً، نرى أن القيادة الصينية أبان الرئيس الراحل الرفيق ماو تسي تونغ، الذي عرف بالمفكر السياسي وصاحب البصيرة، نجحت في طرد الإمبريالية من الصين، وبناء الأمة الصينية لتصبح قوة عالمية، وتم تعزيز مكانة المرأة وتطوير التعليم والرعاية الصحية، والسعي لتحقيق السعادة للصينيين.
وعند الحديث عن الصين الجديدة، في عهد الرئيس الرفيق شي جين بينغ، أصبحت الصين النموذج الإشتراكي الناجح ذو الخصائص الصينية، وبذلك نجحت الصين في فرض الإنضباط والإبداع والحوكمة والإصلاح والإنفتاح، وتحقيق وحدة الصين الوطنية بالتغلب على التغيرات الإجتماعية السريعة والصعوبات الإقتصادية، لتكون قوة عالمية فعالة.
وبناءا ً على ذلك، فالصين وضعت أهداف محددة وتسعى لتحقيق أهدافها بواقعية ووفقا ً لقدراتها الحقيقية، فعلى سبيل المثال قامت بتعزيز التقافة الإشتراكية ذات الخصائص الصينية الوطنية، وذلك بوضع الشعب في مركز ثقل العمل، هذا على الصعيد المحلي. أما على الصعيد الخارجي، فالصين تسعى لبناء علاقات متوازنة مع الدول المتقدمة، وعلاقات مستقرة مع دول الجوار، وعلاقات تبادلية وتعاون مع الدول النامية، وصولا ً لمجتمع واحد ومصير واحد.
لذلك، قام الرئيس الرفيق شي جين بينغ، في عام 2013 بطرح مبادرة "الحزام والطريق" بهدف إنجاح التعاون الإقتصادي والتجاري والتبادلات الثقافية على طول طريق الحرير، وصولا ً لتحقيق الإنفتاح وتحقيق التنمية المستدامة والمنفعة المتبادلة بين الجميع.
إن ما يميز الواقع والتجربة الصينية تجاه الإنسان، أنها تسعى لبناء تنمية مستدامة في كافة القطاعات من خلال تحقيق الأمن والإستقرار في القضايا الدولية كافة من أجل الإنسانية والعيش الكريم. وهذا بدوره يحتاج لبناء نظام دولي تعددي قائم على التعاون والتشاور وتحقيق المنفعة المتبادلة بين الأطراف، وبعيدا ً كل البعد عن الهيمنة والأحادية والمنفعة الخاصة. فعلى سبيل المثال، تسعى بعض الدول لفرض سيطرتها على المنظومة الدولية ومؤسساتها، من خلال فرض أجندتها المرتبطة بمصالحها مع تلك الدولة وغيرها من الحلفاء، بهدف تعزيز دورها ونفوذها في منطقة ما سعيا ً لتعزيز الهيمنة والمنفعة الخاصة بها وبحلفائها. لذلك، تسعى الدول "الإستعمارية والإمبريالية" لزعزعة أمن وإستقرار المنظومة الدولية ككل كي تبقي نفوذها فعال في مناطق عدة في العالم، في القارة الأوروبية والأسيوية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبما يخدم مصالحها وهيمنتها على حد سواء.
بناءا ً على ذلك، تسعى تلك الدول "الإستعمارية" والتي ترفع راية الديمقراطية والحريصة على نشر مبادئها كما تدعي، إلى تشوية الحقائق وزعزعة سمعة ومكانة الدولة التي تعارض سياساتها الأحادية والإستعمارية الجديدة، مثل "الدولة الصينية"، كي تغلق الباب أمام الدولة الصينية المناضلة من أجل حماية الإنسان وحقوقه المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية، وتعرقل المسيرة التقدمية الإشتراكية ذات الخصائص الصينية من تحقيق أهدافها التنموية من خلال تحقيق الإستقرار والفوز المشترك سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي. فمثلا ً تدعي الدول "الإستعمارية" تلك أن الصين تسعى لضرب منظومة حقوق الإنسان ومبادئها، وتارة أخرى تدعي أن هونج كونج تريد الإنفصال، وتدعي أيضا ً أن الصين تسعى لفرض هيمنتها وتعزيز نفوذها في السيطرة على القارة الأفريقية والأسيوية ومنطقة الشرق الأوسط ودول الخليج من خلال طريق الحرير والمشاريع التنموية التي تقدمها.
في المقابل، نرى أن من يتحدث عن حالة حقوق الإنسان ومبادئ حقوق الإنسان، عليه أن يحترم حياة الإنسان وكرامته أولا ً بصرف النظر عن جنسيته أو هويته أو عرقه أو لونه أو دينه، فهل الدول "الإستعمارية" تلك إحترمت الحق في الحياة وهو الحق الأسمى من حقوق الإنسان، عندما غزت العراق وليبيا واليمن وسوريا وفلسطين وغيرها من الدول؟ فقتلت وشردت الملايين من البشر، ناهيك عن تدمير البنى التحتية والخدماتية بهدف تعزيز نفوذها ودعم حلفائها.
أضف لذلك، هل الدول "الإستعمارية" تلك إحترمت حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي يعاني القتل والتنكيل والمعاملة اللاإنسانية والتدمير والإعتقال والتهجير ومصادرة الأراضي لما يقارب ال72 عام من قبل الدولة المحتلة؟ فكيف لكم اليوم تطالبون بحق تقرير المصير لهونج كونغ عن الدولة الصينية، والتي هي جزء لا يتجزأ من الدولة الصينية، وتضربون بعرض الحائط قانون سيادة الدول ووحدة أراضيها وفقا ً للقانون المحلي والدولي على حد سواء.
والجدير بالذكر أيضا ً، أن الدول "الإستعمارية" تلك تستهجن وتستنكر مطالبة أقاليم في الدولة الأوكرانية بالإنفصال والإلتحاق بالدولة الروسية، وترسل التعزيزات العسكرية لدعم طرف ضد أخر، وهنا نتساءل: لماذا هذا التدخل في شؤون الغير ودعم طرف ضد أخر والسماح بإستمرار هذا النزاع؟ وكيف لتلك الدول "الإستعمارية" الإهتمام بالحديث عن القتل والتدمير وحالة حقوق الإنسان في الدولة الأوكرانية، ولا تكترث لحالة حقوق الإنسان المتمثلة بالقتل والتدمير الذي يحصد مزيد من حياة الناس يوميا ً في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول التي تعاني الإستعمار والإحتلال وعدم الإستقرار ليومنا هذا؟
في المحصلة، إنه إستعمار جديد وإمبرالية جديدة تستهدف المنظومة الدولية برمتها من خلال الإساءة والنيل من سمعة "الدولة الصينية" الحديثة والفاعلة والمتطورة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، والتي تسعى لتعزيز المنظومة الدولية ومؤسساتها على أسس سليمة وفقا ً للقانون الدولي والشرعية الدولية، وأن الجميع سواسية أمام القانون ومبادئه، وأن لا أحد فوق القانون بصرف النظر عن قوته وحجمه وثروته.
فالصين حتما ً ستنتصر للإنسان ومبادئه في "الواقع والتجربة" من خلال سعيها المتواصل والدؤوب لتحقيق التنمية المستدامة في كافة القطاعات عن طريق تعزيز الأمن والإستقرار تجاه العديد من القضايا الدولية، والسعي لتحقيق المنفعة المشتركة والمتبادلة لجميع الأطراف، وكذلك تعزيز التعاون وصولا ً لتعزيز التعددية والعمل الجماعي المشترك في القضايا ذات الإهتمام المشترك بين الأطراف، وعندئذ الوصول لمجتمع العيش المشترك والمصير الواحد "حياة وإزدهار للجميع دون إستثناء".
* بقلم: علاء الديك، عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، طالب دكتوراه في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية.
12/10/2022
شنغهاي – الصين