أفاق تطور العلاقات الصينية العربية من خلال مبادرة "الحزام والطريق"

الناشر:汪倩

تاريخ النشر:
2022-09-28

مقدمة

تعتبر الصين دولة ذات حضارة متواصلة يرجع تاريخها إلى ما قبل 5000 عام ، والحكومة الصينية تعتقد أن الإستفادة من التاريخ تخدم التنمية الحالية ، حيث تستخدم الصين الخبرات التاريخية لمواجهة التحديات الحالية والسعي لتحقيق المهمات المستقبلية ، وبناءا ً على ذلك، فملامح هذه النظرة تجاه العالم تتلخص بالأتي: تحقيق السلام والتنمية ، مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن والسلم الدوليين ، تعزيز التنمية المستدامة للعالم أجمع

(The original aspiration and mission of the communist party of China: Achievement and experiences during the past seven decades, Jiang Feng , Shanghai International Studies University , 2019).

لقد سمحت لي الفرصة أن أقوم  ولأول مره بالمشاركة بمنتدى التبادل والإستفادة للدورة الدراسية الأولى للأحزاب الصينية العربية ، تشارك الأحزاب في بناء "الحزام والطريق": مسؤولية الأحزاب ، ممثلا ً عن جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بدعوة من دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، وبتنفيذ مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية ، فلقد تم الإستفادة من هذه التجربة  بالتعرف على الخبرات والإنجازات لسبعين عاما ً من حكم الحزب الشيوعي الصيني ، والتعرف على الظروف الوطنية الصينية وتطوير الكفاءات القيادية ، وكذلك التعرف على الموضوعات الأساسية في أفكار الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ – عن الإشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد ، وأخيرا ً التعرف على ملامح الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية في العصر الجديد والتشارك في بناء "الحزام والطريق" ، وهي الموضوعات التي سنتحدث عنها بالتفصيل في هذه المقالة كما سنرى ، ولعل هذه التجربة الفريدة والإهتمام بالتعرف على ملامح الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية في إنجاح  مبادرة "الحزام والطريق" ومعرفة أفاق تطور هذه العلاقة هو من دفعني لكتابة هذه المقالة.

مبادرة "الحزام والطريق"

طرح الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ مبادرة "الحزام والطريق" في سبتمبر عام 2013 عندما ألقى كلمته بعنوان: تعزيز صداقة الشعب وبناء المستقبل الأفضل، بجامعة نزارباييف في كازاخستان وأعلن فيها أن الدول الأسيوية والأوروبية يمكنها البناء المشترك في "الحزام الإقتصادي على طول طريق الحرير" ، من أجل تعميق التعاون الإقتصادي لبناء حيز تنموي أوسع (قراءة حول الموضوعات الأساسية في أفكار الرئيس الصيني شي جين بينغ عن الإشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد ، جهة التحرير: مدرسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، رئيس التحرير : خه يي تينغ ، دار الشعب للنشر ، يونيو 2017).

وتعتبر هذه المبادرة وسيلة للتشارك في خلق مجتمع ذو مصالح ومسؤولية مشتركة ومصير مشترك بالثقة السياسية المتبادلة ، والإندماج الإقتصادي ، والشمول الثقافي مع البلدان على طول "الحزام والطريق" على أساس التعلم من الخبرة التاريخية مع أعلى موقف وأوسع رؤية ، وفي 29 إبريل من العام 2016 قال الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ بخطاب التعلم الجماعي أمام المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني: أننا نطرح مبادرة "الحزام والطريق" من أجل متابعة روح طريق الحرير وتعظيمها ، وجمع التنمية الصينية مع تنمية البلدان على طول "الحزام والطريق" ، مما أناط طريق الحرير القديم بمفهوم العصر الجديد(المصدرالسابق نفسه).

ولعل الملاحظ مما سبق أن أهم مرتكزات هذه المبادرة هو التشاور والتشارك لإنجاح البناء المشترك من خلال تبادل السياسات التنموية ، ترابط المنشأت ، التعاون التجاري، تبادل العملات والتقارب بين الشعوب من خلال التواصل الإنساني والثقافي.

الظروف الوطنية الصينية

كما أسلفنا سابقا ً تعتبر الصين ذات حضارة يمتد تاريخها لأكثر من 5000 عام ، وتحتل الصين المرتبة الثالثة على مستوى دول العالم من حيث مساحة اليابسة والتي تقدر بأكثر من 9.60 مليون كم مربع ، والصين ثاني أكبر إقتصاد بالعالم حيث بلغت نسبة إسهامه في نمو الإقتصاد العالمي 31.6% ، وتحتل الصين المرتبة الأولى على مستوى العالم في إحتياطي التيتانيوم والتنجستين الخام ومصادر الطاقة الكهرومائية ، والصين لديها أكبر تعداد سكاني في العالم بإجمالي يبلغ 1.37 بليون نسمة ، ولديها 56 قومية ، ونظام الجمهورية يمتد لأكثر من 100 عام ، ولديها أيضا 34 منطقة إدارية على مستوى مقاطعة ، و23 مقاطعة ، و4 بلديات مركزية ، 5 مناطق حكم ذاتي: التبت ، ومناطق إدارية خاصة هونغ كونغ وتايوان ، ولديها الإقتصاد المختلط الفريد لأكبر دولة نامية في العالم(الظروف الأساسية الصينية والكفاءات القيادية ، أعداد د/ هاري ليو ، نائب مدير قسم التدريب بأكاديمية بودونغ الصينية لتدريب الكوادر – CELAP – تقرير ملخص للخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ أمام المؤتمر الوطني ال19 للحزب الشيوعي الصيني عام 2017).

والجدير بالذكر أن أصول الثقافة الصينية نابعة من تعاليم كنفشيوس والتي ركزت على التناغم الإجتماعي والإجتهاد من أجل تحسين الذات ، والمدرسة الطاوية وهي مدرسة فلسفية والتي دعت للتناغم بين الإنسان والطبيعة ، وهذا أثر بقوة بسلوك الشعب الصيني وثقافته(المرجع السابف نفسه).  فالثقافة الصينية حافظت على التقاليد في زمن الإبتكار ، والتواضع مقابل الريادة ، والإعتدال والوسطية مقابل التساؤل والتفكر من أجل الإبداع.

ومن الطبيعي أن تبرز بعض التحديات وأهمها الثقافية والإجتماعية والتنموية ، فالتحديات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية تم التصدي لها بطرح إستراتيجية وطنية صينية من قبل الرئيس الصيني الرفيق شي جين بينغ عنوانها: الإبتكار ، التنسيق ، التنمية الخضراء ، الإنفتاح ، والمشاركة"، والتي عبر عنها بطرح مبادرة "الحزام والطريق": التشاور والبناء المشترك والتشارك(المرجع السابق نفسه) ، والهدف من ذلك هو خلق مجتمع المصير المشترك للبشرية جمعاء وهذا ما سنتعرف عليه لاحقا ً بالحديث عن ملامح السياسة الصينية الخارجية.

سياسة الصين الخارجية: المناهج والتعددية

  • تعريف أدوار الصين

هناك تعاريف متعددة للصين ، فمثلا ً نسمع أن الصين دولة نامية ، الصين قوة عالمية ، الصين بلد بريكس ، فالتعاريف المختلفة تعني الأدوار المختلفة للصين ، وهناك تعريف واحد يشمل كل تلك الأدوار(سياسة الصين الخارجية: المناهج والتعددية ، مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية ، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية ، 30 يونيو 2019): أن الصين دولة إشتراكية ذات خصائص صينية.

فالصين طموحه فيما يتعلق بأهدافها ، وفي نفس السياق واقعية بما يمكن الحصول عليه حسب القدرات والإمكانات المتوفرة ، فالهدف العام – وقد ذكرناه مسبقا ً – بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية ، ويمكن لكل جيل تحقيق هدفه المحدد ، لذلك تجعل الصين أهدافها المرحلية قابلة للتنفيذ والتحقق ، وهذه الأهداف خلال السنوات العشر القادمة غالبا ً ما تتركز على التنمية الإجتماعية والإقتصادية(المرجع السابق نفسه).

أضف لذلك ، أن الصين تسعى لبناء علاقات متوازنة مع الدول المتقدمة وعلاقات مستقرة مع دول الجوار ، وكذلك تعاون مع أعضاء أخرين بالمجتمع الدولي من أجل بناء عالم أكثر سلما ً وتعاونا ً وصولا ً لتحقيق تنمية مستدامة.

  • الصين والتعددية

يقف العالم اليوم على مفترق طرق ويواجه إختيارات تبعية بين الأحادية والتعددية ، وبين النزاع والحوار ، وبين العزلة والإنفتاح.

فمن وجهات نظرنا نرى أن الصين تعتبر الأمم المتحدة هي رمز للتعددية ، وأن الصين من دعاة السلام العالمي ، وتساهم في التنمية العالمية وتؤيد النظام العالمي.

بناءا ً على ذلك تدعو الصين لتعزيز التعاون الدولي ، ودعم تعددية الأطراف ليصبح النظام الدولي أكثر عدلا ً وإنصافا ً ، كذلك تعمل الصين على إقامة شراكات على أساس الإحترام المتبادل بإختيار الحوار بدلا ً من المواجهة ، وتنتهج الصين سياسة بناء الصداقات والشراكات مع الدول المجاورة على أساس الصدق والإخلاص والمنفعة المتبادلة ، وبالنسبة للدول الأفريقية والدول النامية تلتزم الصين بالسعي لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية من أجل إحداث تنمية حقيقية ومستدامة ، أضف إلى ذلك أن الصين تدعو إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين من خلال الدعم والتعاون المتبادل ، كذلك تعزيز التنمية والإزدهار العالميين من خلال التعاون القائم على أساس الفوز المشترك للجميع ، وأخيرا ً ساهمت الصين في  تحسين نظام الحوكمة العالمية من خلال الإصلاح والإبتكار ، وفي مواجهة عدد كبير من التحديات العالمية التي لا يمكن لدولة بمفردها أن تواجهها منفردة ، وأتخذت موقفا ً واضحا ً ضد الأحادية ، وكذلك ساهمت الصين مساهمة مهمة في تحسين الحوكمة الإقتصادية العالمية من خلال إستضافة مؤتمرات دولية مثل قمة هانغتشو لمجموعة العشرين ، وتشغيل البنك الأسيوي للإستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد(المرجع السابق نفسه).

بناءا ًعلى ذلك وتتويجا ً لهذه الرؤية ، حققت الصين إنجازات عظيمة في كل من مجالات الإصلاح والتنمية والإنفتاح ، وحظيت مبادرة الرئيس الصيني "الحزام والطريق" بتقدير عال جدا ً من المجتمع الدولي ، وعليه أعلن الرئيس الصين السيد  شي جين بينغ عن إنشاء مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية بغية تطوير التجارب وتعزيز تبادل الخبرات من أجل إنجاح هذه الرؤية وخاصة مع الدول العربية النامية ، وهذا ما سنتحدث عنه في الفقرة القادمة.

مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية

أعلن الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ في كلمته التي ألقاها بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة في يناير العام 2016 عن قراره إنشاء مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية ، وتم إفتتاح المركز في العشرين من إبريل في العام 2017 ، وأعلن لاحقا ً في يوليو في العام 2018 أمام الإجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي ببكين أن هذا المركز يعتبر منصة فكرية لتبادل الخبرات في مجال الإصلاح والإنفتاح وحكم البلاد وإدارتها بين الجانبين العربي والصيني ، وفي المستقبل ، سيصبح المركز أكبر وأقوى منصة لتقديم المزيد من الدعم الفكري للجانبين(مجلة مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية ، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية ، 2019).

والجدير بالذكر أن مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية تم تأسيسه تحت إدارة جامعة شنغهاي للدراسات الدولية وبرعاية وزارة الخارجية الصينية ووزارة التعليم الصينية وحكومة بلدية شنغهاي في العشرين من إبريل في العام 2017 في حرم سونغ جيانغ بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية.

المهام والمنصات الأربع

التمسك بروح المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني ، والقيام بالربط بين الإستراتيجيات الوطنية وتبادل التجارب والخبرات بشأن الإصلاح والإنفتاح والحكم وإدارة الشؤون السياسية بين الصين والدول العربية بشكل نشط ومنظم ، وتقديم المفهوم الصيني وحكمة الصين ، وبرامج الصين من أجل إعداد مجموعات من شخصيات رفيعة المستوى من الجانب العربي لتعرف الصين وتعزز العلاقة معها، وهذا سيساهم بتوفير موارد بشرية ذات كفاءات عالية لبناء "الحزام والطريق" بصورة مستمرة لتحقيق النمو والإستقرار للصين والدول الصديقة(مرجع سبق ذكره ، مجلةمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية ، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية ، 2019).

إنطلاقا ً من هذه الرؤية أعتبر مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية منصة فكرية لتبادل الأفكار والخبرات حول الإصلاح والإنفتاح والحكم والإدارة بين الصين والدول العربية ، وتم تحقيق هذه الرؤية من خلال الإرتكاز على أربع منصات وهي كالأتي: منصة الدورات التدريبية ، منصة الدراسات والبحوث ، منصة إعداد الكفاءات ، ومنصة التواصل الإنساني والثقافي.

الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية في العصر الجديد والتشارك في بناء "الحزام والطريق"

عقد المؤتمر الوطني ال18 للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر عام 2011 ، وبذلك دخلت الصين عصرا ً جديدا ً ، وطرحت أنذاك اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بزعامة السيد شي جين بينغ سلسة من المفاهيم والأفكار والإستراتيجيات الجديدة حول الحوكمة ، وكل هذه المحتويات أطلق عليها لاحقا ً أفكار الرئيس الصيني عن الإشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد لتحقيق تنمية جديدة بالإصلاح والحكم الرشيد ، إلى جانب تحقيق مبادرة "الحزام والطريق" بالشاركة والتشاور مع الدول العربية ، وهي الشراكة الإستراتيجية بين الصين والدول العربية التي سنتحدث عن ملامحها لاحقا ً كما سنرى.

إنطلاقا ً من المبادئ الصينية التي تطرقنا لها في هذه المقالة في الحديث عن ملامح السياسية الخارجية للصين وأهمها إحترام مبدأ المساواة في السيادة بين الدول ، فجميع الدول متساوية بغض النظر عن حجمها وقوتها وثروتها ، لذلك يجب أن ينطبق القانون الدولي على الجميع بالتساوي  ، وعليه فإن مبدأ التعاون القائم على الفوز المشترك والمصير المشترك بين الدول هو الركيزة الأساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.

وبناءا ًعليه ، قامت الصين بسلسلة من الممارسات والمبادرات لتحقيق ذلك ، إيمانا ً بالإلتزام الثابت لتعزيز التعاون الدولي والعمل على إقامة شراكات وصداقات على اساس الإحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة مع الدول المجاورة والصديقة ، ولعل أهم أهم هذه المبادرات هي مبادرة "الحزام والطريق" التي فتحت بدورها صفحة جديدة للتعاون الإقليمي في دفع النمو السلمي والإنسجام والإستقرار للبلدان على طول خط هذه المبادرة.

أصبحت مبادرة "الحزام والطريق" تدعمها وتشارك فيها أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية ، وقد تحولت الفكرة إلى تحركات واقعية وحققت نتائج مثمرة ، فالدول النامية والكيانات الإقتصادية الناشئة على طول خط المبادرة بلغ عدد سكانها 4.4 مليارات نسمة تقريبا ً ، وإجمالي الكمية الإقتصادية 21 مليار دولار ، وهذا يشكل ما نسبته 63% و29% من العالم تقريبا ً(مرجع سبق ذكره ، قراءة حول الموضوعات الأساسية في أفكار الرئيس الصيني شي جين بينغ عن الإشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد ، جهة التحرير: مدرسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، رئيس التحرير : خه يي تينغ ، دار الشعب للنشر ، يونيو 2017). وتعيش هذه البلدان في مرحلة صعود التنمية الإقتصادية عموما ً ، ولقد حققت الصين إنجازات عظيمة في الإنفتاح على العالم الخارجي منذ 30 سنة الماضية وخاصة فيما يتعلق بالتواصل الإنساني والثقافي والتعاون الإقتصادي والتبادل التجاري وخاصة أنها ثاني أكبر إقتصاد بالعالم.

قال السفير الصيني بالقاهرة السيد سونج ايقوه ، أن حجم التجارة بين بلاده والدول العربية إرتفع بنسبة 11.9% بنهاية العام 2017 ، أي ما يقارب 191 مليار دولار(مؤتمر صحفي للسفير الصيني بالقاهرة نقلا ً عن وكالة الأناضول الرسمية بتاريخ 14 أذار 2018). والجميع يدرك إزدياد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في الأونة الأخيرة ، وبترحيب وموافقة الدول العربية على بناء "الحزام والطريق" أعتبر ذلك بمثابة حجر الأساس لبناء شراكة إستراتيجية بين الصين والدول العربية ، فمعالم هذه المبادرة تم تعزيزها بين الصين والدول العربية وأهمها: التبادل التجاري ، تبادل السياسات التنموية ، والتواصل الإنساني والثقافي ، وترابط المنشأت من خلال التبادل التكنولوجي.

وخير مثال على أهم ملامح نجاح هذا التعاون هو الإجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في 10 يوليو عام 2018 الذي ألقى فيه الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ خطابا ً هاما ً أشار فيه أن مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية يعمل بشكل جيد وأصبح منصة فكرية لتبادل الخبرات والتجارب في مجال الإصلاح والإنفتاح وإدارة البلاد بين الجانبين العربي والصيني ، وسيصبح المركز أقوى في المستقبل لتقديم مزيد من الدعم الفكري للجانبين(مرجع سبق ذكره ، مجلةمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية ، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية ، 2019).

ونوجز بعض الدورات التدريبية ومنصات العمل لتعزيز التبادل الثقافي والإنساني التنموي للشراكة الإستراتيجية الصينية العربية حسب ما وردت بمجلة المركز – المرجع السابق الذكر:

*الدورة الدراسية الأولى للأحزاب الصينية العربية ، تشارك الأحزاب الصينية العربية في بناء "الحزام والطريق": مسؤولية الأحزاب ، والتي عقدت بمدينة شنغهاي بتاريخ 24 يونيو حتى 3 يوليو 2019  وشارك فيها 10 أحزاب سياسية من 5 بلدان عربية.

*إنعقاد المنتدى الدولي للمدن في الحزام الإقتصادي على طول طريق الحرير عام 2015 بمدينة ييور بمقاطعة تشهجيانغ من 18-19 يونيو عام 2015 ، بحضور ضيوف من 42 دولة لتقديم إقتراحاتهم للتعاون بين المدن وبناء "الحزام والطريق".

*توقيع إتفاقية بين شارع طريق الحرير داه تانغ بمدينة شيان بمقاطعة شانشي ومعهد التعليم الدولي التابع لجامعة الشمال الغربي للصناعة في 24 مارس عام 2017 ، بهدف إنشاء قاعدة التعليم والتطبيق بشأن "الحزام والطريق" للطلاب الأجانب في هذه الجامعة.

*في 31 مايو عام 2018 وجهت وزارة الخارجية الصينية تهنئة لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية ومركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية لإختتام الدورة التدريبة حول إعادة الإعمار والتنمية في سوريا بنجاح.

*في 13 مارس عام 2019 إنطلقت الدورة الدراسية السادسة للمسؤولين العرب في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية ببلدية شنغهاي بحضور 30 دبلوماسيا ً يمنيا ً تحت إشراف مركز الدراسات الصيني الهربي للإصلاح والتنمية.

*في المدة ما بين 20 و30 أبريل عام 2017 أقيمت الدورة التدريبية الأولى للمسؤولين العرب وشارك فيها 24 مسؤولا ً عربيا ً من 17 دولة.

*في المدة ما بين 18 و28 أبريل عام 2018 أقيمت الدورة التدريبية الثالثة للمسؤولين العرب وشارك فيها 35 مسؤولا ً دبلوماسيا ً من 20 دولة.

*في المدة بين 6 و15 نوفمبر عام 2017 أقيمت دورة الشباب التدريبية الثانية للمسؤولين العرب وشارك فيها 36 شابا ً عربيا ً.

حتى مارس 2019 ، عقد المركز بنجاح ست دورات تدريبية للمسؤولين العرب شارك فيها 167 مسؤولا ً حكوميا ً من الدول العربية وجامعة الدول العربية بهدف تقاسم الخبرات وتبادل التجارب حول الحكم وإدارة البلاد بين الصين والدول العربية.

ملخص

إن عالم اليوم أصبح مادي والإنسان يسعى لحياة أفضل ، فثورة الذكاء الإصطناعي وثورة الحوسبة الحسابية ، وثورة البيانات الضخمة ، فتحت صفحة جديدة من الأهمية المادية والذهنية في العصر الحديث ، إضافة إلى الواقعية والإستراتيجية الجفرافية.

ولعل الصين من الدول الطموحة التي تسعى لتحقيق أهدافها وعبر عن ذلك الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ عندما طرح النهضات الخمس والمتمثلة في نهضة الصناعة ، ونهضة الكوادر ، ونهضة الثقافة ، ونهضة البيئة ، ونهضة الجهاز الأدنى ، فالتنمية الحقيقة تنبع من الإبداع والإنفتاح والتقاسم ، والإبداع هو القوة المحركة للتنمية ، وبالتالي فإن الإنسان هو المحور الحقيقي للتحول الحضري في المجتمع.

أعتقد ومن خلال تجربتي الأخيرة وما لاحظناه مما سبق ، أن الصين وضعت أهداف محددة وتسعى لتنفيذ أهدافها المرحلية  بواقعية وحسب قدرتها الحقيقية ، فمثلا ً، على الصعيد الداخلي  قامت بتعزيز الثقة الذاتية للحزب الشيوعي الصيني بالثقافة الإشتراكية ذات الخصائص الصينية الوطنية ، والتمسك بالتنمية من خلال وضع الشعب في مركز ثقل العمل ، وتحديث منظومة الحوكمة وتعزيز قدرتها للدولة ، وتعزيز ريادة الأعمال وإعداد الكادر الوطني للقضاء على الفقر والبطالة ، والإهتمام بالبيئة الطبيعية والمتمثلة بالمعالجة بعد التلوث من أجل حماية البيئة في ظل التنمية.

وعلى الصعيد الخارجي ، تسعى الصين لبناء علاقات متوازنة مع الدول المتقدمة ، وعلاقات مستقرة مع الدول المجاورة ، وعلاقات داعمة تبادلية مع الدول النامية ، ولعل إهتمام الصين بقضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها دعم القضية الفلسطينية  بهدف تحقيق السلام والتنمية معا ً، إلى جانب التبادل التجاري الضخم مع دول المنطقة ، أضف إلى ذلك دعم إستقرار وسيادة هذه الدول في ظل الأوضاع الراهنة ضد اي تدخلات أحادية من دول أخرى بهدف فرض الهيمنة وتحقيق المكاسب ، ساهم ذلك بتعزيز العلاقات الصينية العربية وتوج بطرح مبادرة "الحزام والطريق" ، فالعلاقة التبادلية الداعمة بين الصين والدول العربية سيكتب لها النجاح ومزيد من التطور وصولا ً إلى مجتمع أكثر سلما ً وتعاونا ً وتنمية مستدامة بكافة المجالات.

بناءا على ذلك قام الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ بطرح مبادرته "الحزام والطريق" لمعالجة العلاقة بين مصالح الصين ومصالح البلدان على طول "الحزام والطريق" ، والعلاقة بين الحكومة والسوق والمجتمع ، والعلاقة بين التعاون الإقتصادي والتجاري والتبادلات الثقافية ، والعلاقة بين الإنفتاح الخارجي وصيانة الأمن القومي ، والعلاقة بين التقدم الواقعي وتوجية الرأي العام ، والعلاقة بين الهدف الوطني العام والهدف المحلي الواقعي ، وهذه العلاقات الست في المحصلة ترشد إلى دفع بناء "الحزام والطريق".

مما لا شك فيه أن هناك تحديات وصعوبات على الصعيد الإقليمي والدولي ، فالعالم اليوم مفعم بالشكوك وعدم الإستقرار ، إضافة للتحدي الأكبر من الداخل في ظل التغيرات الإجتماعية السريعة والصعوبات الإقتصادية ، لذا فعلى الصين أن تولي إهتماما ً كبيرا ً ومبكرا ً بالظواهر والقضايا الجديدة مقدما ً لتكون قوة عالمية فعالة.

-- علاء الديك: عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، طالب دكتوراه في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية