ما إن انتهت جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط حتى أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن موقفه بوضوح من العلاقات بين الصين والسعودية والدول الأخرى في المنطقة، قائلاً أحذر من وصف الصين بالعدوّ، أن الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، ولكي يكون للمنطقة والعالم طريق للوصول إلى الرخاء المستدام نحتاج للتعاون وليس المواجهة. لم يكن هذا الحديث ردا قويا لـنظرية الفراغ في الشرق الأوسط التي طرحتها الولايات المتحدة فحسب، بل أظهرت عزيمة ثابتة لدول الشرق الأوسط في تعزيز علاقاتها مع الصين، كما أظهرت الملامح الجديدة للشرق الأوسط المتمثلة في الاستقلال والإرادة المستقلة والتضامن والتعاون في تيار العصر، كما أبرزت الميزة التي طورتها الصين ودول المنطقة سويا من خلال التشارك في السراء والضراء منذ السنوات العديدة - الاحترام المتبادل والعمل المشترك على تحقيق التنمية ومواجهة التحديات.
الصديق وقت الضيق، وإطلاق المسيرة الجديدة لخدمة مصلحة الجميع. تضرب جذور الصداقة بين الصين ودول الشرق الأوسط في أعماق التاريخ، رغم أن الجبال والمحيطات تفصلهما، إلا أنهما تتعاملان مع بعضهما البعض بإخلاص، ونشأت الصداقة بينهما عبر طريق الحرير القديم، وهما شاركتا في السراء والضراء في النضال من أجل الاستقلال الوطني، وعملتا على بناء الوطن بالتضامن والتساند، وتحملتا المسؤولية الأخلاقية في العالم المتعدد الأقطاب.
كما يقول المثل: الصداقة الحقيقية لا نهاية لها، والأصدقاء الحقيقيون يستحيل نسيانهم. في وجه جائحة فيروس كورونا المستجد والتغيرات غير المسبوقة منذ مائة سنة، تتبادل الصين ودول الشرق الأوسط الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر، وتمضيان قدما جنبا إلى جنب في استكشاف الطرق التنموية بالإرادة المستقلة. إن الصين تدعم بثبات جهود دول الشرق الأوسط لحل القضايا الأمنية الإقليمية عبر التضامن والتعاون، وتدعم الصين مساعي شعوب الشرق الأوسط لاستكشاف طرقها التنموية الخاصة بإرادتها المستقلة، وتسعى الصين إلى الدفاع عن المصالح المشتركة للدول النامية الغفيرة بما فيها دول المنطقة، والحفاظ على العدالة والإنصاف الدوليين، وتلعب الصين دورا مطلوبا كدولة كبيرة مسؤولة في تسوية القضايا الساخنة في المنطقة، الأمر الذي حظي بإشادات واسعة النطاق من دول المنطقة.
كما قدمت دول المنطقة دعما ثمينا للصين بخطواتها الملموسة. في وجه قيام فرادى الدول بتلفيق وافتعال ما يسمى بمسألة شينجيانغ ومسألة حقوق الإنسان ومسألة تتبع منشأ فيروس كورونا المستجد، تتمسك دول المنطقة بموقف موضوعي وعادل، وشاركت بنشاط ولمرات عديدة في التوقيع على البيانات المشتركة الداعمة للصين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومؤتمر الصحة العالمية والمناسبات الأخرى، خاصة أن هناك 18 دولة في الشرق الأوسط شاركت في التوقيع على البيان المشترك الداعم للصين في الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في العام الجاري، الأمر الذي يعد دعما قويا للصين بخطوة ملموسة، بما يحشد الزخم القوي للدفاع المشترك عن مبادئ تعددية الأطراف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
السعي الدؤوب إلى التنمية، وتحقيق النهضة المشتركة بالتضامن والتعاون. رغم أن الصين ودول الشرق الأوسط تختلفان من حيث الظروف الوطنية، إلا أن مفاهيم التنمية بينهما متشابهة، وتتمتعان بمزايا تكاملية في تحقيق التنمية. يعمل الجانبان بنشاط على تعزيز المواءمة بين مفاهيم التنمية، ودفع الارتقاء بجودة ومستوى التعاون الثنائي العملي. لقد وقعت الصين حتى الآن وثائق التعاون بشأن التشارك في بناء الحزام والطريق مع ما يقرب من 20 دولة في المنطقة وجامعة الدول العربية، وإن الخطط الوطنية لدول المنطقة بما فيها رؤية السعودية 2030 ومشروع الممر الأوسط التركي واستراتيجية العمل الوطنية استعدادا للأعوام الخمسين المقبلة الإماراتية ورؤية عمان 2040 تستمر في الاندماج مع جهود بناء الحزام والطريق بجودة عالية، ويحقق التعاون العملي بين الصين ودول المنطقة مزيدا من نتائج .
ظلت الصين أكبر شريك تجاري لدول الشرق الأوسط للسنوات العديدة. في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، قد تجاوز حجم التبادل التجاري الثنائي بين الصين والمنطقة 200 مليار دولار، بزيادة ما يقرب من 40٪ عما كان عليه في العام الماضي، واستوردت الصين 84 مليون طن من النفط من المنطقة، بزيادة 75٪ عما كان عليه في العام الماضي. وتتقدم المشاريع ذات الأولوية بشكل مطرد بما فيها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر ومشروع ميناء حيفا في إسرائيل ومشروع المنطقة النموذجية الصينية الإماراتية للتعاون في الطاقة الإنتاجية ومشروع تخزين الطاقة بالمدينة الجديدة على البحر الأحمر السعودي ومشروع سكة حديد مدينة العاشر من رمضان في مصر. في وجه جائحة فيروس كورونا المستجد، قامت الصين ودول الشرق الأوسط بقيادة التعاون الدولي في مكافحة الجائحة، حيث قدمت الصين حتى يوليو عام 2022 أكثر من 500 مليون جرعة من اللقاحات إلى 17 دولة في الشرق الأوسط، وأجرت الصين والإمارات ومصر ودول أخرى التعاون في توطين إنتاج اللقاحات والبحث والتطوير للأدوية، مما بنى حاجزا مناعيا قويا للعالم بخطوات ملموسة.
بناء على الفهم للزخم العام في العالم، طرح الرئيس شي جينبينغ في سبتمبر الماضي مبادرة التنمية العالمية باعتبارها الجواب لسؤال العصر، ولاقت هذه المبادرة تجاوبا إيجابيا من دول الشرق الأوسط، وأيدت أكثر من عشر دول بوضوح هذه المبادرة، وانضمت إلى مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية. في يونيو الماضي، طرح الرئيس شي جينبينغ أثناء حضوره لاجتماع الحوار الرفيع المستوى للتنمية العالمية رؤية لخلق معادلة تنمية تتسم بالنفع للجميع والتوازن والتناسق والشمول والتعاون والكسب المشترك والازدهار المشترك، مما حدد الاتجاه للتعاون التنموي في العالم، وجسد الرغبة الشديدة لدى الصين ودول الشرق الأوسط في تحقيق التنمية والازدهار المشترك في هذا العصر، ولاق هذه الرؤية دعما واسع النطاق من دول المنطقة. استشرافا للمستقبل، نثق بأن الممارسات التي تقوم بها الصين ودول الشرق الأوسط في تنفيذ مبادرة التنمية العالمية ستحرز مزيدا من نتائج مثمرة وستساهم بشكل أكبر في تعزيز السلام والتنمية والتعاون المتبادل المنفعة في المنطقة.
مواجهة التحديات بالتعاضد والعمل على فتح آفاق جديدة. ظلت الصين تتمسّك بموقف موضوعي وعادل من قضايا الشرق الأوسط، وتلتزم بالوقوف إلى جانب الحق وتكرس العدالة وتتجاوب مع التطلعات التاريخية لدول الشرق الأوسط في السعي إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية والازدهار.
تدعم الصين القضية العادلة للشعب الفلسطيني وترفع الصوت لصالحه، وتعارض الصين بثبات قيام الدول الغربية بتغيير النظام قسرا في سوريا ودول أخرى، وتحافظ على الاتفاق الشامل بشأن ملف إيران النووي ،وتشارك في المفاوضات المعنية بشكل معمق، وتطرح مبادرة لبناء منصة الحوار المتعدد الأطراف في منطقة الخليج، وتشجع دول المنطقة على بلورة التوافق عبر الحوار. في العام الماضي، زار مستشار الدولة وزير الخارجية وانغ يي عددا من دول المنطقة، حيث طرح المبادرة ذات النقاط الخمس بشأن تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وهي التي تتمثل في الدعوة إلى الاحترام المتبادل والالتزام بالإنصاف والعدالة وتحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية و العمل سويا على تحقيق الأمن الجماعي وتسريع وتيرة التنمية والتعاون، مما قدم مساهمات جديدة للحفاظ بشكل أفضل على السلام والاستقرار في المنطقة. وتحظى الحلول الصينية والحكمة الصينية بالمزيد من الثقة.
في الوقت الراهن، يدخل العالم إلى الفترة الجديدة من الاضطرابات والتغيرات، وأصبح وضع الشرق الأوسط أكثر تعقيدا وحساسية. لن تغيب الصين، كدولة كبيرة مسؤولة والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والشريك الموثوق به لدول الشرق الأوسط، عن دعم قضية السلام والتنمية في الشرق الأوسط. طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة الأمن العالمي في إبريل الماضي الذي انعقد فيه منتدى بوآو الآسيوي انطلاقا من التنمية العالمية وحوكمة الأمن في الفترة ما بعد الجائحة، وتهدف هذه المبادرة إلى دفع بناء الهيكل الأمني المتوازن والفعال والمستدام على أساس الالتزام بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، بما يوفر اتجاها جديدا لتجفيف منابع النزاعات الدولية وتحقيق الأمن والأمان الدائمين في العالم، كما تساهم هذه المبادرة في إيجاد مسار الأمن الجديد لدول المنطقة الذي يتميز بالحوار والشراكة والكسب المشترك بدلا من المواجهة والتحالف واللعبة الصفرية، حيث حظيت المبادرة بتجاوب كبير من دول المنطقة. لذلك، نحن على ثقة تامة بأن الثقة المتبادلة والصداقة بين الصين ودول المنطقة ستتعمق بشكل أكثر من خلال الجهود المشتركة لدفع تنفيذ مبادرة الأمن العالمي.
قال الصينيون القدامى: من يدافع عن مصلحة الجميع سيحظى بدعم الجميع. مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية ومهما كانت الصعوبات والعقبات، ستستمرّ الصين في تعزيز التواصل مع دول الشرق الأوسط من حيث الاستراتيجيات والممارسات، ودفع بناء الحزام والطريق يدا بيد، والعمل سويا على صيانة الاستقرار في الشرق الأوسط، والدفاع عن العدالة والإنصاف، وتعزيز التنمية المشتركة، وترجمة مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي إلى أرض الواقع، بما يوفر عوامل الاستقرار والطاقة الإيجابية للأوضاع الإقليمية والعالمية.