لا يزال عالم اليوم بعيدا ً عن السلام والإستقرار بسبب أؤلئك الذين يمارسون الهيمنة والتنمر، وينبغي أن تتطور الدول والحضارات بشكل مشترك على أساس الإحترام المتبادل والتعاون وتحقيق التعايش السلمي والمنفعة المتبادلة.
تعتبر الصين دولة ذات حضارة متواصلة يرجع تاريخها إلى ما قبل 5000 عام، ومن الطبيعي والمتوقع أن تنظر الصين إلى العالم من المنظور طويل الأجل، لأن البشرية تتطور والنظام الدولي يواجه تحديات وصعوبات ملموسة وغير ملموسة وخاصة المتعلقة بالحمائية والشعبوية والتطرف والتشاؤم والأحادية، لذلك فالصين تسعى للإستفادة من التاريخ لخدمة التنمية العالمية الحالية، وتستخدم الصين الخبرات التاريخية لمواجهة التحديات الحالية وتسعى جاهدة لإنجاح المهمات المستقبلية وصولا ً لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.
ولأن الصين طموحة فيما يتعلق بأهدافها وواقعية وإستراتيجية تماشيا ً مع قدراتها والإمكانيات المتاحة، وصادقة في أقوالها وحازمة بصدق أفعالها فيما يتعلق بالدور الحقيقي لها أمام الكل "أنها دولة إشتراكية ذات خصائص صينية"، فأعداء النجاح كثر، وأعداء تجسيد حكم النظام العالمي وتحقيق التنمية العالمية كثر أيضا. وعليه، تطل علينا بين فترة وأخرى بعض الإدعاءات المتعلقة بسوء حالة حقوق الإنسان في الصين، والتي يراد منها حرف البوصلة عن حقيقة ما يواجه العالم من خطر وهو التحدي الأكبر المتعلق بالهيمنة وتجسيد الأحادية والتنمر تجاه الآخرين الذين لا حول ولا قوة لهم غير نجاح التعددية والتعاون الدوليين بهدف معالجة القضايا الدولية في شتى القطاعات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمناخ والبيئة وغيرهما، بهدف بناء عالم أكثر سلما ً وتعاونا ًوعدلا ً.
أين كانت تلك الأصوات عندما قاطع البعض منظمة الصحة العالمية في ظل إنتشار كوفيد-19، وأوقفوا الدعم المالي عنها، الأمر الذي أثر على دعم ومساندة المنظمة الدولية لكثير من الدول الفقيرة التي أعلنت حالة الطوارئ بسبب إنتشار الوباء. فالأمر هنا مرتبط بأعلى مراتب الدفاع عن حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة والحفاظ على صحة الإنسان. أضف لذلك، عندما قام البعض بإستغلال نفوذه والتهديد بإستخدام القوة لدعم الشركاء في بلدان متعددة من حيث إرسال الجيوش والمعدات الحربية للحلفاء بهدف تعزيز النفوذ في القضايا ذات الإهتمام المشترك. الأمر الذي نتج عنه تعزيز الأحادية والتنمر والهيمنة على حساب التعددية والتعاون الدوليين، وبالتالي الضرب بعرض الحائط مبدأ الحوار والتشاور وحكم القانون اللذان يعتمد عليهما لحل الخلافات والنزاعات المحلية والدولية، وكذلك الإساءة لمبدأ سيادة الدول وعدم التدخل بشؤون الغير، الأمر الذي نتج عنه تعزيز الإنتقائية والعشوائية في المنظومة الدولية والضرب بعرض الحائط مجددا ً بمبدأ المساواة في السيادة والتأثير على العلاقات بين الدول وفقا ً لمعيار أن جميع الدول متساوية بصرف النظر عن حجمها وقوتها وثروتها.
أيضا ً عندما قام البعض بإضعاف المنظمات الحكومية الدولية كمنظمة الأمم المتحدة بهدف السيطرة والهيمنة وتعزيز النفوذ في المجتمع الدولي، فقام على سبيل المثال بإستخدام حق النقض "الفيتو" تجاه قضايا دولية مثل تطبيق قرارات الشرعية الدولية على القضية الفلسطينية منذ عام 1948، وغيرها من قضايا الشرق الأوسط التي تعاني عدم الإستقرار الجيوسياسي منذ 2011 وليومنا هذا. أضف لذلك، رفض وإدانة أي تقرير أو مشروع أممي صادر عن منظمة دولية أو دولة من الدول الأعضاء، والذي من شأنه إدانة أي من دول التحالف، بغض النظر عن جدية الأمر وإرتباطه بلجان تحقيق دولية مع مرفقات الإدانة الواضحة، مثل تقرير جولدستون الأممي بشأن الحرب على غزة عام 2008 وقتل المدنيين، وكذلك تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2022 والمتعلق بإرتكاب جريمة الفصل العنصري والإضطهاد والهيمنة ضد الفلسطينيين من طرف إسرائيل. تجاه تلك القضايا والمعطيات، فإن الأجدر بالدول الأعضاء الذين يعلقون على حالة حقوق الإنسان في الصين، أن يطالبوا بحماية حالة حقوق الإنسان في المناطق المنكوبة فعلا ً من خلال تلك المعطيات والأمثلة السابقة، وتطبيق العدالة الدولية على مرتكبي إنتهاكات حقوق الإنسان تلك، وملاحقة الدول التي تضرب بعرض الحائط كل مبادئ القانون الدولي لحماية مرتكبي تلك الخروقات، بغض النظر عن قوتها وهيمنتها، تماشيا ً مع مبدأ أن لا أحد فوق مبادئ وقوانين النظام الدولي كافة.
في المقابل، فالصين الشعبية قامت بمد العون ودعم منظمة الصحة العالمية منذ بداية إنتشار الوباء، فقامت بإرسال البعثات والمساعدات الطبية وتوزيع اللقاحات ضد الوباء على مختلف الدول الأعضاء في المنظومة الدولية وليومنا هذا. إضافة لذلك مد هذه الدول بالدراسات والأبحاث والتجارب الطبية المتعلقة بالوباء. أما فيما يتعلق بتعزيز النفوذ بالقوة والهيمنة والسيطرة والعمل الأحادي الجانب من جانب بعض الأطراف، فالصين الشعبية تحارب إستخدام القوة والسيطرة والهيمنة والعمل الأحادي الجانب، وتعتبر ذلك مضرا ً بالسلام والإستقرار العالمي وتحقيق التنمية العالمية وفق النظام والقانون الدولي. وترى الصين أن تعددية الأطراف والأقطاب وجهان لعملة واحدة، لذلك تدعو الصين إلى الإلتزام الثابت لتعزيز التعاون الدولي، ودعم تعددية الأطراف وتطويرها، فالعالم اليوم يحتاج إلى التعددية والإنفتاح أكثر من أي وقت مضى ليصبح العالم أكثر سلما ً وتعاونا ً وإنصافا ً. وعليه، فالصين تعمل على إقامة الشراكات الدولية على أساس الإحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، وتبني الحوار بدلا ً من المواجهة، وتسعى لتطوير تلك الشراكات بشمولية بناءة عنوانها الإخلاص والصدق بعيدا ً عن الهيمنة والسيطرة وتعزيز النفوذ الأحادي الجانب، وهذا هو طريقها لبناء التعددية والتعاون الدولي تجاه القضايا الدولية كافة.
وأخيرا ً، تسعي الصين الشعبية لتعزيز المنظومة الأممية بكل منظماتها ومؤسساتها الدولية، بعيدا ً عن حالة الضعف وسلب الإرادة في تطبيق وتعزيز حكم وسيادة القانون الدولي على الجميع دون إستثناء، وصولا ً لمجتمع أمن ومستقر. حيث سعت الصين لتعزيز مفهوم التعاون الدولي والإنفتاح على الآخرين بكل صدق من أجل المصير المشترك بهدف تحقيق السعادة والرخاء والمنفعة المتبادلة للكل. وعليه، تبنت الصين مفهوم التعددية الدولية بهدف إنجاح مساعيها لتحقيق وتجسيد التعاون والإنفتاح الدولي على الآخرين بهدف حل القضايا الدولية ذات الإهتمام المشترك وفق آليات العمل المشترك تماشيا ً مع قوانين وقرارات النظام الدولي كافة.
في المحصلة، نرى أن من يسعى لإحترام الآخرين والإنفتاح من أجل تعزيز التعاون بهدف المنفعة المتبادلة وتحقيق العيش والمصير المشترك للبشرية ككل، هو الجدير والحريص على حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان سواء على المستوى المحلي أو الدولي. فمن يسعى لحماية وتعزيز النظام الدولي والمنظمات الحكومية الدولية والقانون الدولي الإنساني هو عنوان للإنسانية وترسيخ قيم العمل الإنساني الفعالة. نعم، إنها الصين الشعبية التي تسعى لحل القضايا الدولية ذات الإهتمام المشترك وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، لينعم العالم بالأمن والسلم الدوليين وصولا ً لتحقيق تنمية مستدامة لكافة القطاعات. وعليه، فالصين تسعى لتعزيز قيم الحرية والعدالة الإجتماعية إنطلاقا ً وإيمانا ً بتعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس فقط تجاه الشعب الصيني الصديق، بل تجاه البشرية جمعاء.
بقلم: علاء الديك - مختص بالشأن الصيني
رام الله – فلسطين، 4/2/2022
علاء الديك خلال زيارته لمقاطعة خنان الصينية عام 2019.