السفير محمود علام يكتب.. شينجيانج بين الإسلام ومسلمي الصين

الناشر:汪倩

تاريخ النشر:
2021-06-07

يثير ما تتداوله بعض وسائل الإعلام الغربية وشبكات التواصل الاجتماعى أحيانا من أخبار حول أساليب تعامل السلطات الصينية مع بعض جماعات المسلمين فى إقليم شينجيانغ التساؤلات لدى البعض حول أوضاع المسلمين وعلاقه الحكومة والحزب الشيوعى الصينى بهم.

لذلك سأحاول خلال هذا المقال إلقاء الضوء على تاريخ الإسلام والمسلمين فى الصين ومكانتهم فى المجتمع الصينى المعاصر، مع تقديم رؤية وتفسير لبعض الإجراءات التى تطبقها السلطات الصينية بمقاطعة شينجيانج، أخذا فى الاعتبار أهمية ذلك فى إطار علاقات الصداقة والمصالح التى تربط جمهورية الصين الشعبية بعديد من الدول والمجتمعات العربية والإسلامية ومشاعر شعوب هذه المجتمعات تجاه ما قد يواجه إخوانهم فى العقيده من تحديات فى أى منطقة فى العالم.

يؤرخ لدخول الإسلام للصين إلى القرن السابع وتحديدا لعام 651 ميلادية فى فتره حكم "أسرة تانج" حين أرسل الخليفة عثمان بن عفان مبعوثا خاصا إلى الصين وهو ما أعقبه تدفق أعداد كبيرة من المسلمين من بلاد العرب والفرس وآسيا الوسطى إلى الصين فى إطار تنامى التبادلات التجارية عبر طريقين البرى "طريق الحرير" والطريق البحرى بل واستقرار العديد من الوافدين الجدد من المسلمين وتكاثرهم وهو ماساهم بدوره فى تعرف العديد من ابناء القوميات على مبادئ الإسلام واعتناق العديد فى مناطق مختلفة لها.

وعرف الإسلام فى تاريخ الصين بأسماء مختلفة منها "قانون داشى"، و"دين الصفاء والنظافة" و"دين الصفاء والحق" و"دين هوى" واستمر استخدام تلك المسميات حتى قررت الحكومه الصينية عام 1956 تعميم استخدام تسميه الإسلام بدلا من الأسماء الأخرى.

وينتمى سكان الصين إلى 56 قومية من أصول عرقية مختلفة وتمثل قومية "الهان" الغالبية العظمى مها، وينتمى مسلمى الصين إلى 10 من هذه القوميات ومنها قومية "الهوى، اليوغور، الأوزبك، الطاجيك، التاتار، القرقيز، سالا، دونج شيانج"، ويبلغ تعداد أبناء الصين من المسلمين وفقًا للإحصاءات الرسمية حوالى 24 مليون نسمة يمثلون نسبة 1.8 من إجمالى تعداد سكان الصين وينتمى معظمهم إلى المذهب الحنفى، كما يقدر عدد المساجد فى الصين بــ 35 ألف مسجد، وتنتشر فى كل أنحاء البلاد إذ تمثل نموذجا حيا لتفاعل ملامح العمارة والتنسيق الإسلامية مع الملامح الصينية التقليدية، وعادة ما يضم المسجد الصينى عدة أنشطة تخدم مجتمع المسلمين واحتياجاتهم الاجتماعية والمعيشية فى مختلف المناسبات.

وقد ساهم اندماج ثقافة الحضارة الإسلامية مع خلفية قوميات مسلمى الصين المختلفة وملامح الحضارة الصينية العريقة فى خلق نموزج متنوع وثرى للتعايش والتفاعل، كما ينظر لعلاقة مسلمى الصين مع الدولة والحزب منذ إنشاء جمهورية الصين الشعبية عام 1949 على أنها علاقة إيجابية خصوصا مع ما قدمه العديد من مسلمى الصين مع إخوانهم من أبناء الوطن من مساهمات وتضحيات خلال مراحل حرب التحرير، وفى ضوء ما قدمته الدولة من ضمانات لتطبيق سياسة حرية المعتقدات الدينية، وتحقيق الخصوصية فى إدارة المسلمين لشؤونهم الدينية من خلال تأسيس الجمعية الإسلامية منذ عام 1953 وفى المقابل اندماج الأقليات القومية من المسلمين مع فئات المجتمع الأخرى وإلتزامها بسياسات الدوله والحزب.

ومع التقدم الذى أحرزته الصين فى المجال الاقتصادى والتجارى على مستوى العالم يجدر التنويه للدور الذى تلعبه الهوية الإسلامية كأحد أطياف المجتمع الصينى فى تطوير البعد الإسلامى فى تجارة الصين الخارجية بتوفير احتياجات المجتمعات الإسلامية المختلفة فى العالم من منتجات "حلال" وغيرها حتى أصبحت مقاطعة نينغشيا مركزا معروفا تقام فيه معارض سنوية لمثل هذه المنتجات.

ولمحاولة فهم الوضع فى إقليم شينجيان فى ضوء ما تواجهه بعض الإجراءات التى تطبقها السلطات الصينية بالإقليم من انتقادات من بعض الدول الغربيه ووسائل إعلامها بوصفها تتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات الدينية نرى أنه يجب إلقاء الضوء على الحقائق التالية:

أن إقليم شينجيان يقع فى أقصى الحدود الغربية للصين مع دول عديدة ومنها الحدود مع أفغانستان والتى رغم صغر مساحتها "لا تزيد عن 50 كم" إلا أنها تعد ممرا لتواصل بعض الجماعات المتطرفة من سكان الإقليم مع مثيلاتها فى أفغانستان، خصوصا تنظيم الدولة الإسلامية وطالبان وتلقيها الدعم مما أسفر عن عدد من الحوادث الإرهابية التى شهدتها الصين قبل 4 سنوات.

أن الصين تواجه أنشطة انفصالية من جانب بعض الجماعات ممثلة فى حزب تركمانستان الإسلامى الذى تنتمى قياداته لقوميه اليوغور وتقيم فى الولايات المتحدة إذ تتلقى دعم مادى وإعلامى لتوجيه حملات دعائية ضد الحكومة والحزب فى الصين، ومن ناحية أخرى فإن لدى الصين حساسية تجاه إيه اتجاهات انفصالية، خصوصا فى ضوء ما تعرضت له عبر تاريخها من محاولات خارجية وللموقف فى تايوان.

ومن الملاحظ أن بعض الدول والقوى الغربية تلجأ إلى استخدام سلاح الإعلام كوسيلة لتحجيم واحتواء بل وزعزعة استقرار الدول التى تمثل تحديا لها أو قد يؤدى صعودها لتحجيم نفوذها على الساحة الدولية ولعل الحرب التجارية القائمه بين الصين والولايات المتحده منذ عدة سنوات تمثل واجهة لصراع أعمق بين القوتين.

بعد أن حققت الصين معجزتها الاقتصادية والتى بدأت خلال العقود الماضية، بتنمية المقاطعات الشرقية بدأت تتجه لنقل تجاربها الناجحة فى التنمية إلى المناطق الداخلية ومقاطعات الغربية من خلال تطوير البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية مما يساهم فى حزب الاستثمارات، وهو ما قد يتطلب القيام بإعادة تأهيل قدرات سكان الإقليم خصوصا أن إقليم شينجيان يقع فى نقطه متقدمة للتواصل مع الدول الأخرى التى تقع على مسار طريق الحرير البرى فى إطار مبادره الحزام والطريق.

وأخيرا أسمح لنفسى أن أشير لأصدقائنا فى الصين أنه مع احترامنا المتبادل لمبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول ومع تقديرنا بأن مجتمعاتنا وعقيدتنا التى عرفت لديكم بعقيدة الصفاء والحق تواجه أحيانا تحديات نتيجة لأنشطة بعض الجماعات المتطرفة التى تدعى الدفاع عن الدين إلا أن النتيجة أن غالبية ضحايا فكرها وأنشطتها كان من المسلمين أنفسهم خصوصا فى المجتمعات متعددة الأعراق والأديان، وأن رصيد المسلمين فى تاريخ الصين يدعونا لأن نطالب بأن يراعى فيما يتخذ من إجراءات للقضاء على الفكر المتطرف وتجفيف منابع الإرهاب إلا تكون على حساب الأغلبية من الأقليات المسلمة والمسالمة والتى تمثل بهويتها الخاصة وممارساتها الاجتماعية والثقافية المتميزة، والنابع بعضها من عقيدتها، بصورة قد تضر صورة الصين الثرية بتعدد أطيافها فى إطار الانتماء للوطن الواحد والتى نتطلع لدورها فى صياغة عالم جديد يكون أكثر إنسانية وعدالة وتسامح يجمعه المصير المشترك للبشرية وهى الدعوة التى يتبناها الرئيس شى جين بينج.

ومن ناحيه أخرى، أدعو لبدء حوار معمق بين مراكز الفكر فى الصين والدول العربية "ويكون لوثيقة الأخوة الإنسانية الصادرة عن الأزهر الشريف دور فيه" لإبراز قيمه منهج الوسطيه والاعتدال والانسجام فى نجاح الحضارتين العربية الإسلامية والصينية الكنفوشية وإنجازاتها، وكذلك استخلاص الدروس بشأن دور مسلمى الصين فى تحقيق التوازن والاندماج والتفاعل مع الاحتفاظ بخصوصياتهم داخل مجتمعهم متعدد الأعراق والعقائد مع الالتزام كمواطنين بالقيام بدور فاعل فى مسيره المجتمع نحو التقدم والرخاء.

المصدر: موقع مبتدأ