تعزيز التعاون بين تونس والصين: نموذج مربح للجانبين من أجل التنمية الاقتصادية والاستقرار الجيوسياسي

الناشر:陈佳慧

تاريخ النشر:
2025-10-12

الأحد / يوم 11 أكتوبر ٢٠٢٥

بقلم / د. هشام القروي، (باحث زائر في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية ،  بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية.)

 

لطالما اختارت تونس الحياد الإيجابي والتوازن في علاقاتها الخارجية، سواء مع جيرانها العرب أو الأفارقة أو المتوسطيين، أو مع القوى الكبرى. كونها دولة متوسطة الحجم، تتمتع بشباب من بين الأكثر تعليماً وطموحاً، كان خيارها منذ الاستقلال هو تركيز جميع جهود الدولة على التنمية الاقتصادية. إن مضاعفة الشراكات يساهم في تعزيز المشاريع الوطنية. وفي هذا السياق، فإن الشراكات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج أو، في الآونة الأخيرة، الصين ليست ترفاً، بل ضرورة استراتيجية. فهي تسمح بإقامة توازن، وهو الخيار الوحيد الموضوعي والعقلاني لدولة مثل تونس.

وبالتالي، فإن السياق الاقتصادي والجيوسياسي المحيط بالتعاون المعزز بين تونس والصين يوفر للبلدين فرصًا مثيرة للاهتمام لتحقيق مزايا متبادلة كبيرة. إن الموقع الاستراتيجي لتونس في البحر الأبيض المتوسط، مقترناً بمبادرة ”الحزام والطريق“ الصينية، يخلق إطاراً يمكن للبلدين من خلاله تحقيق أهدافهما الإنمائية مع المساهمة في الاستقرار الإقليمي والاتصال العالمي.

المزايا الاقتصادية لتونس

تواجه تونس تحديات اقتصادية كبيرة، مع ارتفاع الدين العام وركود النمو عند مستوى منخفض للغاية. ويوفر تعزيز التعاون مع الصين - ثاني أكبر اقتصاد في العالم - عدة سبل لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 9.2 مليار دينار تونسي في عام 2024، بزيادة قدرها 8٪ عن العام السابق. ومع ذلك، لا تزال إمكانات التصدير من تونس إلى الصين غير مستغلة إلى حد كبير، حيث تقدر CEPEX الفرص غير المستغلة بأكثر من 214 مليون دولار، منها 20 مليون دولار لزيت الزيتون، و15 مليون دولار للمأكولات البحرية، و2.5 مليون دولار للتمور.

توفر الاستثمارات الصينية في البنية التحتية رأس مال تنمويًا حاسمًا دون الشروط التي ترتبط عادة بالتمويل الغربي. وقد أسفرت الشراكة الاستراتيجية التي أبرمت في مايو 2024 عن مشاريع ملموسة، بما في ذلك عقد بقيمة 195 مليون دولار لجسر بنزرت الذي مُنح لشركة Sichuan Road and Bridge Group ونشر 300 حافلة صينية بقيمة 152 مليون دينار. تلبي هذه الاستثمارات احتياجات تونس الحرجة في مجال البنية التحتية، وتخلق في الوقت نفسه فرصًا للتوظيف ونقل التكنولوجيا.

يمثل قطاع الفوسفات إمكانات تعاون واعدة بشكل خاص. وافقت تونس على خطة خمسية بقيمة 165 مليون دولار تهدف إلى رفع إنتاج الفوسفات إلى 8.5 مليون طن بحلول عام 2030. أبدت شركات صينية مثل Asia Potash International Investment اهتمامها باستغلال حقل الفوسفات في سرا ورتان، أحد أكبر الاحتياطيات غير المستغلة في تونس. يمكن أن يؤدي هذا التعاون إلى تحويل تونس إلى مركز إقليمي رئيسي للفوسفات، مع ضمان وصول الصين الآمن إلى المواد الخام الأساسية لتصنيع الأسمدة.

المزايا الاقتصادية للصين

بالنسبة للصين، توفر تونس مزايا استراتيجية تتجاوز التجارة الثنائية. يوفر انضمام تونس إلى منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (ZLECA) للشركات الصينية وصولاً تفضيلياً إلى سوق قاري يضم أكثر من 1.3 مليار شخص. إن الموقع الاستراتيجي لتونس في البحر الأبيض المتوسط يجعلها بوابة مثالية للمنتجات الصينية التي تدخل الأسواق الأوروبية والأفريقية، مما يقلل من تكاليف النقل ويحسن كفاءة سلسلة التوريد.

توفر الموانئ التونسية، ولا سيما ميناءي بنزرت ورادس، للصين اتصالاً بالبحر الأبيض المتوسط ضرورياً لمبادرتها ”طريق الحرير البحري“. يعالج ميناء رادس أكثر من 75٪ من حركة الحاويات في تونس، في حين أن الموقع الاستراتيجي لبنزرت يتيح الوصول إلى شبكات الألياف الضوئية البحرية الضرورية للاتصال الرقمي. يمكن أن تؤدي الاستثمارات الصينية في البنية التحتية للموانئ التونسية إلى إنشاء مراكز لوجستية حيوية تدعم اتصالاً أوسع في إطار مبادرة ”الحزام والطريق“.

توفر الخبرة الفنية والقدرات التعليمية لتونس في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والابتكار شراكات قيّمة للصين من حيث رأس المال البشري. تلبي القوى العاملة التونسية عالية الكفاءة، لا سيما في التخصصات التقنية، احتياجات التنمية الصناعية للصين، وتوفر في الوقت نفسه بدائل مربحة لأسواق العمل الوطنية.

المزايا الجيوسياسية لتونس

يعزز دعم التعاون بين تونس والصين التنوع الجيوسياسي في وقت تتوتر فيه العلاقات مع الشركاء الغربيين التقليديين. تونس لديها تاريخ غير مشرق مع صندوق النقد الدولي. ففي الثمانينات، شهدت البلاد، مثلها مثل دول أفريقية أخرى، ثورات شعبية عُرفت باسم ”ثورات الخبز“ أو ”ثورات صندوق النقد الدولي“، بسبب الشروط الصارمة التي فرضها هذا الصندوق في إطار سياسات التكيف الهيكلي بعد الحرب. وقد رفضت تونس مؤخراً هذه الشروط. وبالتالي، فإن الشراكة مع الصين تمثل بديلاً أساسياً للحفاظ على السيادة الاقتصادية، دون استبعاد شراكات أخرى، سواء مع الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج.

يستجيب مبدأ عدم التدخل الذي تتبعه الصين لرغبة تونس في التمتع باستقلالية سياسية دون ضغوط خارجية، لا سيما في مجال حقوق الإنسان أو الحوكمة. ويتيح هذا النهج لتونس مواصلة تعاونها في مجال التنمية مع الحفاظ على مرونتها السياسية الداخلية.

كما تعزز الشراكة الاستراتيجية نفوذ تونس الإقليمي في المنتديات العربية والأفريقية. إن التزام الصين بدعم تونس من خلال منتدى التعاون الصيني-العربي ومنتدى التعاون الصيني-الأفريقي يعزز الموقف الدبلوماسي لتونس ويوفر لها فرصاً جديدة للمشاركة متعددة الأطراف.

المزايا الجيوسياسية للصين

يوفر الموقع الاستراتيجي لتونس في البحر الأبيض المتوسط مزايا جيوسياسية مهمة للصين في منطقة كان نفوذها فيها محدوداً في السابق. تعمل تونس كجسر بين شراكات الصين الأفريقية وعلاقاتها الاقتصادية الأوروبية المتنامية، مما يوفر منصة مستقرة لتوسيع نفوذ الصين الناعم في شمال أفريقيا.

تساهم هذه الشراكة في استراتيجية الصين الأوسع نطاقًا الرامية إلى إنشاء شبكات دولية بديلة تقلل من هيمنة الغرب على الحوكمة العالمية. إن دعم تونس لمفهوم ”مجتمع المصير المشترك للبشرية“ الذي طرحه شي جين بينغ وتوافقها مع التطلعات إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب يعزز النفوذ الدبلوماسي للصين.

كما يوفر تعزيز التعاون مع تونس للصين خبرة قيمة في إدارة الشراكات مع الدول الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجي والتي تواجه تحولات اقتصادية. وتعد هذه الخبرة أساسية لنجاح مبادرة ”الحزام والطريق“ الصينية في سياقات مماثلة على الصعيد العالمي.

مبدأ الكسب المتبادل في الممارسة

يركز مبدأ التعاون لتحقيق الكسب المتبادل الذي تتبناه الصين على البحث عن ”المصالح المتقاربة، والاستفادة من نقاط القوة المتبادلة، وتسهيل النجاح المتبادل“. تتجلى هذه الفلسفة في التعاون بين تونس والصين من خلال عدة آليات ملموسة.

يعمل هذا المبدأ بفضل تخصيص الموارد بشكل تكميلي: توفر تونس موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية وقوتها العاملة الماهرة، بينما توفر الصين رأس المال والتكنولوجيا والوصول إلى السوق. بدلاً من العلاقات الاستخراجية، يخلق هذا النهج ترابطًا يعود بالفائدة على الأهداف الإنمائية طويلة الأجل للطرفين.

ويُعد التعاون في مجال البنية التحتية مثالاً ممتازا على تطبيق نهج مربح للجانبين. فقيام الصين ببناء جسر بنزرت يلبي احتياجات تونس في مجال الاتصال، بينما يوفر للشركات الصينية عقوداً مربحة وخبرة في مجال البناء في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وبالمثل، تضمن الاستثمارات الصينية في استخراج الفوسفات في تونس سلاسل الإمداد بالأسمدة في الصين، بينما تعمل في الوقت نفسه على تطوير قدرة تونس على التصدير.

التحديات والفرص الاستراتيجية للتنفيذ

يتطلب التنفيذ الناجح للتعاون المعزز مواجهة تحديات محددة. تتعارض المتطلبات القانونية لتونس في مجال المناقصات مع تفضيلات الصين للعقود المباشرة، مما يبطئ تنفيذ المشاريع منذ انضمام تونس إلى مبادرة ”الحزام والطريق“ في عام 2018. يمثل تطوير آليات توريد مبسطة مع الحفاظ على الشفافية أولوية حاسمة للتنفيذ.

يتطلب الاختلال الكبير في الميزان التجاري لصالح الصين (عجز قدره 971.2 مليون دينار في عام 2024) اهتمامًا خاصًا لضمان شراكة مستدامة على المدى الطويل. يمكن أن تؤدي زيادة الصادرات التونسية إلى الصين من خلال تحسين الوصول إلى السوق واعتماد الجودة إلى معالجة هذا الخلل مع تعزيز الروابط الاقتصادية.

ويمثل تعزيز التعاون بين تونس والصين مبدأ ”الفوز المتبادل“ من خلال إقامة شراكات متبادلة المنفعة تلبي الأولويات الاستراتيجية لكل بلد. ففي حين تحصل تونس على إمكانية الوصول إلى رأس المال التنموي والاستثمارات في البنية التحتية وتنويع الأسواق دون شروط، تضمن الصين لنفسها موقعًا استراتيجيًا في البحر الأبيض المتوسط وإمكانية الوصول إلى الموارد والنفوذ الإقليمي. يُظهر نموذج الشراكة هذا كيف يمكن للقوى المتوسطة الاستفادة من المنافسة بين القوى الكبرى لتعزيز أهدافها الإنمائية مع المساهمة في تحقيق الترابط والاستقرار العالميين. ففي النهاية، وقّعت معظم الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج، اتفاقيات استراتيجية مع الصين (قطر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، وغيرها). وهذا لا يمنعها من إجراء مبادلات مع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا. فالسيادة لها معنى، أليس كذلك؟

 

صدر هذا المقال بالفرنسية يوم 11 أكتوبر 2025 في المجلة التونسية المستقلة رياليتي أونلاين:

https://realites.com.tn/fr/cooperation-renforcee-entre-la-tunisie-et-la-chine-paradigme-gagnant-gagnant-pour-le-developpement-economique-et-la-stabilite-geopolitique/