العلاقات اليمنية – الصينية جذورٌ ضاربة في التاريخ وشراكة تتجدد عبر الزمن

الناشر:陈佳慧

تاريخ النشر:
2025-09-24

الأربعاء ،٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥

بقلم/سعادة الدكتور/ محمد عبد الواحد الميتمي سفير، الجمهورية اليمنية لدى جمهورية الصين الشعبية

تعد العلاقات اليمنية الصينية واحدة من أعرق العلاقات الدبلوماسية في العالم العربي اذ تمتد جذورها في العصر الحديث الى أكثر من ستة عقود.غير أن الجذور التاريخية للعلاقات اليمنية ـ الصينية ضاربة في أعماق التاريخ، حيث ارتبطت اليمن، مركز تجارة اللبان والمرّ، بالصين عبر طريقي البخور والحرير القديمة، وهو ما جعل الموانئ اليمنية نقطة وصل أساسية بين الشرق والغرب. وفي العصور الوسطى، تعززت هذه الروابط خاصة خلال فترة سلالة تانغ، وبلغت أوجها مع الرحلات البحرية للأسطول الصيني بقيادة البحار الشهير تشنغ هي التي وصلت إلى ميناء عدن، ممهدةً بذلك الطريق أمام تبادل تجاري ودبلوماسي مباشر أسس لمرحلة جديدة من العلاقات التاريخية العريقة التي تربط بلدينا الصديقين حتى اليوم.

ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في 24 سبتمبر 1956م، تميزت علاقاتنا مع الصين بخصوصية فريدة ومتانة استثنائية، فقد كانت اليمن من أوائل الدول العربية التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية وكانت أول دولة عربية توقع معها معاهدة صداقة عام 1958م. وأسهمت في دعم استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة عام 1971م، بينما وقفت الصين، ولا تزال، إلى جانب اليمن في مختلف المراحل المفصلية من تاريخه الحديث، بدايةً من ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والرابع عشر من أكتوبر 1963م وما تلاها من جهود لبناء دولة المؤسسات وترسيخ النظام الجمهوري.

لم يكن الاعتراف الدبلوماسي مجرد اجراء سياسي، بل كان تعبيراً عن روح التضامن والصداقة التي جمعت الشعبين الصديقين، في وقت كانت فيه المنطقة والعالم يمران بتحولات كبرى، والابرز من ذلك أن هذين البلدين هما من المع صناع الحضارات الشرقية القديمة التي التقى نهرهما المتدفق في صياغة تاريخ إنساني بديع وخلاق.

منذ ذلك الحين تميزت العلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين بالثبات والاستمرارية رغم كل التغيرات السياسية التي شهدتها اليمن، فقد وقفت جمهورية الصين الشعبية الوفية الى جانب اليمن في مراحل بناء الدولة الحديثة، وقدمت دعماً ملموساً لا ينسى في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم التي لاتزال شواهدها حاضرة في الذاكرة اليمنية الحديثةـ ومن ابرز تلك المواقف البارزة لجمهورية الصين الشعبية هو ذلك الموقف المشرف خلال حصار السبعين اليوم للعاصمة صنعاء عام 1967م حيث آثرت البعثة الطبية الصينية البقاء في صنعاء لتقديم العون والرعاية الصحية للشعب اليمني في أحلك الظروف. لقد شكّلت تلك اللحظة الإنسانية الفارقة شهادة خالدة على عمق الصداقة وقوة التضامن بين بلدينا وشعبينا الصديقين. ويعد النصب التذكاري للقبر الصيني في صنعاء أحد الشواهد البارزة لهذه العلاقة التاريخية المتينة.

لقد جسدت الصين على مدى العقود الماضية معاني الصداقة الحقيقية من خلال ما قدمته من مشاريع تنموية وخدمية كبرى أسهمت في بناء اليمن الحديث، من أبرزها طريق صنعاء – الحديدة وطريق عدن – المكلا، ومستشفى الصداقة اليمني–الصيني، ومبنى وزارة الخارجية اليمنية، وجسر الصداقة في صنعاء، ومصانع الغزل والنسيج في صنعاء وعدن. كما لم يقتصر التعاون بين بلدينا على البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية فحسب، بل شمل أيضاً الاستثمار في الإنسان اليمني، حيث قدمت الصين مئات المنح الدراسية والبرامج التدريبية في مختلف المجالات، وأسهمت في تأهيل العديد من الشباب والكوادر الوطنية القادرة على المساهمة في مسيرة التنمية. ويجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن عدد الطلاب اليمنيين الدارسين حالياً في الجامعات والمعاهد الصينية نحو ٦٠٠٠ طالباً موزعين على مختلف المقاطعات والمدن الصينية، وهو ما يجسد عمق التعاون الثقافي والعلمي المتنامي بين بلدينا.

كما لعبت الصين دوراً سياسياً متوازناً تجاه القضايا اليمنية، فهي تتبنى موقفاً داعماً لاستقلال اليمن ووحدته وسلامة أراضيه، بعيداً عن التدخلات المباشرة او الانحيازات الحادة، وتعلن على الدوام في كافة المحافل والمنظمات الدولية موقفاً ثابتاً ومبدئياً لم يتبدل في دعم الشرعية الدستورية ومؤسسات الدولة اليمنية الواحدة الموحدة. وفي المقابل، فإن اليمن، انطلاقاً من التزامها بمبدأ الصين الواحدة ودعمها لجهود الصين في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، تحرص دائماً على مساندة الصين في مختلف قضاياها في المحافل الدولية.هذه المواقف الثابتة والمبدئية عززت ثقة اليمنيين بالصين كصديق وشريك يعتمد عليه في المحن والاوقات العصيبة وثقة الصين باليمن.

اليوم ومع تعاظم مكانة الصين كقوة اقتصادية عظمى تفتح العلاقات بين الجمهورية اليمنية وجمهورية الصين الشعبية آفاقاً واسعة للتعاون المستقبلي، فاليمن بموقعه الاستراتيجي الفريد على طريق التجارة الدولية وموارده الطبيعية المتنوعة يمكن ان يشكل حلقة وصل مهمة ضمن مبادرة الحزام والطريق التي اطلقتها الصين في عام 2013م وانضم الى عضويتها اليمن في إبريل 2019م. وفي المقابل يمكن لليمن الاستفادة من الخبرات الصينية في مجالات الطاقة المتجددة وبرامج إعادة الاعمار والتعافي الوطني الشامل في اليمن وتنمية القدرات البشرية وهي أولويات حيوية ملحة لمستقبل اليمن.

ان احياء ذكرى العلاقات اليمنية – الصينية لا يقتصر على استحضار الماضي فقط، بل هو تأكيد على ان هذه الصداقة والشراكة التاريخية قادرة على ان تتجدد بروح أكثر اشراقاً وإثمارا وبهاءً، فالتاريخ الطويل من التعاون والثقة المتبادلة يمثل قاعدة صلبة يمكن البناء عليها لتأسيس مستقبل أكثر استقراراً وتنمية وازدهاراً للشعبين الصديقين.

إننا، ونحن نحتفل بهذه المناسبة العزيزة، نؤكد عزمنا على مواصلة العمل مع أصدقائنا في الصين للارتقاء بعلاقاتنا الثنائية إلى مستويات أكثر شمولاً وفاعلية، بما يحقق تطلعات شعبينا في السلام والاستقرار والازدهار، ويعزز من مكانة بلدينا في محيطهما الإقليمي والدولي.